فاتحة الكتاب
المقدمة
نبذة تاريخية
الباب الأول: في الرق والعبيد
1 - قواعد تمهيدية
2 - الوقوع في الرق
3 - في حالة العبيد ومعاملتهم
الباب الثاني: في الأحرار
1 - عتق العبيد
2 - الموانع الشرعية للعتق في زمن الجمهورية
3 - معاملة المعتقين
الباب الثالث: عبيد الحراثة
عبيد الحراثة
فاتحة الكتاب
المقدمة
نبذة تاريخية
الباب الأول: في الرق والعبيد
1 - قواعد تمهيدية
2 - الوقوع في الرق
3 - في حالة العبيد ومعاملتهم
الباب الثاني: في الأحرار
1 - عتق العبيد
2 - الموانع الشرعية للعتق في زمن الجمهورية
3 - معاملة المعتقين
الباب الثالث: عبيد الحراثة
عبيد الحراثة
أعجب ما كان في الرق عند الرومان
أعجب ما كان في الرق عند الرومان
تأليف
مصطفى كامل
فاتحة الكتاب
حمدا لمبدع الكائنات والأكوان، ومشرف الإنسان على نوع الحيوان، مولى طبع بحكمته الباهرة، وقدرته القاهرة، كل أمة على عوائد تخصها دون سواها، وأخلاق تميزها عما عداها، وصلاة وسلاما على نبيه محمد صاحب الشريعة الغراء، والحجة البيضاء، الذي أكمل خلقه وخلقه، وفضل على سائر الأقوام قومه، (وبعد) فلما كان الرق عند الرومان من أعجب ما كان، والوقوف على معرفته يهم كثيرين، وأمره مخالفا بالكلية لما جاءت به شريعة خاتم النبيين، لا كما يدعيه من جهل الخطتين أو تشيع لأولى الشريعتين، وضعت تلك الرسالة في ذلك الموضوع تحت عنوان «أعجب ما كان في الرق عند الرومان»، حتى يقف القارئ بمطالعتها على كنه حقيقة الاستعباد الروماني، ويدرك بالجمع بين مطالعتها ومطالعة كتاب «الرق في الإسلام» ما بين شريعة الأمتين من الفرق المبين والبون البعيد في معاملة العبيد، هذا والله أسأل أن يجعل لتلك العجالة حظا عند السادة القراء في عصر مولانا الخديو المعظم والداوري الأفخم «عباس باشا حلمي الثاني»، حفظه الله وأبقاه ما حيت الغزالة بأشعتها الذهبية بني الإنسان، آمين.
المقدمة
وجد والدا البشر آدم وحواء في مبدأ الخلقة وحيدين في وسط الأكوان الشاسعة والأراضي الواسعة، لا قوت يسد رمق جوعهما، ولا غطاء يقيهما من تأثير التغيرات الجوية غير التغذي بما تخرجه الأرض من الحشائش، والتستر بأوراق النبات، والإقامة في المفاوز والمغارات، حسب إلهام الخالق لهما ، وهكذا استمرا على هذه الحالة حتى تزايد عدد أبنائهما شيئا فشيئا، وتمكنوا جميعا من التعاون والتعاضد على تحصيل ما يقوم اعوجاج الحياة، وأول ما فكروا فيه هو أمر الغذاء والغطاء الذي أرشدهم الرحمن إليه باستعمال الصيد؛ حيث صاروا يأكلون لحم الطيور والحيوانات ويلبسون جلودها، حتى ألهموا حفظ بعض أنواع الحيوان النافعة كالبقر والغنم وما شاكلها؛ لوفرة نسلها، وللاستغناء بنتاجها ودرها عن مكابدة أتعاب الاقتناص، ولكنهم لذلك الحين كانوا مكتفين غذاء بلحمها وألبانها، وكساء بصوفها وجلدها، ولم يزالوا عاكفين على تربية الحيوانات النافعة، والاعتناء بأمرها، حتى تنبهوا لحراثة الأرض؛ ومن ثم تشعبوا وانقسموا إلى قبائل يرأس كل واحدة منها رئيس، لم يكن له في مبدأ الأمر من السلطة إلا تقسيم الأعمال بين أفراد عشيرته أو قبيلته؛ فمنهم مخصص للحرث، ومنهم للسقي، ومنهم للصيد الذي لم يقصدوه وقتئذ إلا للتغذية الإضافية، وكل ما ينجم عن عمل أحد الأفراد يكون ملكا للعائلة بأكملها، ليس لأحد منها أن يستغله دون الآخر.
ذلك هو مبدأ تكون العائلات، الذي لم ينتج إلا بعد أدوار كثيرة تدريجية يورد لنا حالة تاريخ مدينة روما الشهيرة، التي وجدت قبل المسيح بنحو سبعة قرون ونصف، وقبل الهجرة النبوية بثلاثة عشر قرنا تقريبا، يقص علينا تاريخها أنها كانت مكونة من عائلات تمتاز كل واحدة منها باسم مخصوص، يرأس كل عائلة رجل هو رب البيت وحاكمها الوحيد صاحب التصرف المطلق في حياة أفرادها وأملاكهم، وكانت العائلة مكونة من ذرية رب البيت وذرية ذريته وهكذا، وعبيده ونسل عبيده ونسل نسلهم ... إلخ - الذين كان يصل عددهم أحيانا إلى خمسماية وألف - وحشمه وخدمه مع أملاكه الخصوصية وأملاك هؤلاء الأولاد والأتباع، فكانت بذلك أشبه شيء بحكومة أو إيالة، المتصرف الشرعي فيها رب البيت الذي قد حرم على غيره أن يتصرف في شيء من أملاك العائلة؛ بمعنى أن جميع الأملاك معتبرة له دون سواه.
والعبيد وإن كانوا كأولاد رب البيت إلا أن معاملتهم خرجت عن حد التصور والوصف؛ فيباع العبد ويشرى، ويستخدم ويؤذى، ويقتل ويرمى، ولا رادع في ذلك لسيده، فكان بأمره يضارب الوحوش، ويقاتل السباع لتعليم أبناء الرومانيين الحماسة، وكانت تقطع يداه ورجلاه إذا أذنب أحد الأبناء لتفهيمهم كيفية عقاب المذنبين، ولا ذنب لصاحبنا إلا أنه في الغالب أجنبي قد أسر.
غيري جنى وأنا المعذب فيكم
فكأنني سبابة المتندم
وقصارى القول أن العبد كان معتبرا كآلة في يد سيده يديرها كيف يشاء، وأن معاملة الموالي للعبيد - وإن تحسنت قليلا في أعصر الرومان الأخيرة - لا تزال موضوع وحشية وهمجية، تصور لنا اجتماع النقيضين واتحاد الضدين - التمدن والتوحش - كما سيظهر جليا.
نبذة تاريخية
قسم علماء القانون الروماني أدواره إلى أربعة:
الدور الأول:
يبتدأ من تأسيس مدينة رومه المنسوب إلى رومولوس لغاية 244 منه (أي من سنة 753 إلى 510 قبل المسيح، ومن سنة 1356 إلى 1112 قبل الهجرة المحمدية) وفيه كانت منصة الأحكام بيد البطاركة ثم الملوك الأيتبريين، والقانون الروماني كان فيه عبارة عن نصوص مكتوبة على اثنتي عشرة لوحة مع اتباع العوائد الجارية، وأشهر متشرعي هذا العصر هو بابيروس.
الدور الثاني:
يبتدأ من سنة 244 لرومه لغاية 709 لها (510 إلى 45 قبل المسيح/من 1112 إلى 647 قبل الهجرة) وكانت المملكة فيه جمهورية، وأشهر متشرعيه سيسرون.
الدور الثالث: (ويسمونه بالعصر المدرسي)، يبتدأ من سنة 709 لغاية 978 من تأسيس رومه (45 قبل المسيح إلى 324 بعده/647 إلى 278 قبل الهجرة) والحكومة فيه كانت في يد قياصرة تعبد الأصنام، وهو أهم الأعصر بالنسبة للقانون الروماني؛ حيث نشأ فيه من المتشرعين عدد يزيد بكثير عما نشأ بغيره، وأشهرهم جوليان وجايوس وأولبيان.
الدور الرابع:
يبتدأ من 978 إلى 1240 من تأسيس رومه (324 إلى 565 بعد المسيح/278 إلى 37 قبل الهجرة) كانت فيه السلطة للقياصرة المسيحيين، وهو الدور الذي نشأ في آخره جوستينيان الذي بدل وغير ومحا وأثبت كثيرا في قانون الرومانيين، ومن بعده أخذ في الاضمحلال.
الباب الأول
في الرق والعبيد
الفصل الأول
قواعد تمهيدية
(1) الرق وما كان عليه عند الرومان
الرق هو حال المملوك لآخر، وحالته عند الرومان تختلف حسب الأعصر والأدوار؛ ففي الأزمنة الأولى كان العبد معتبرا ككائن حي لا حق له مطلقا - أي منقولا يتكلم - لا رادع لتصرفات سيده فيه، إلا أن هذه السلطة المطلقة قد أوقفت عند حد في عهد القياصرة - بعد أن رأى العبد ما لم تره عين بشر - حيث أصدرت في أيامهم أوامر شتى بخصوص تقييد سلطة السيد وإيقافها عند حد، منها: (1)
لا يجوز للسيد أن يبيع عبده لأحد لا يشتريه إلا لمضاربة الوحوش. (2)
العبد الذي يتركه سيده لمرض أو لشيخوخة يعتبر حرا. (3)
من قتل عبدا مريضا أو هرما ليستريح منه؛ يقاص. (4)
كل من خصى عبده أو قتله بلا ذنب أو باع أفراد عائلة عبد متفرقين يعاقب.
وفي جميع الأزمان الرومانية كان زواج العبد معتبرا غير شرعي؛ وبذلك ليس له على أولاده سلطة أبوية، ولا علاقة بينه وبينهم إلا من حيث تحريم زواج البنت - أي إن العبد لا يتزوج ابنته - وهو تمييز بين العبيد والحيوانات. {العجم}.
وما يرتكبه العبد من الآثام والجرائم يعاقب عليه إن كانت ضد الهيئة الاجتماعية، وأما إذا كانت ضد فرد من الأفراد، فلا يحاكم إلا بعد عتقه، وإن أضر العبد فلسيده أن يطالب الضار بتعويضات كما يفعل ذلك إن أتلف له شيء. (2) اعتقاد الرومان في حل الرق
إن الرومانيين كانوا يبنون دعائم حل الرق على دليلين:
الأول:
أن الغالب له الحق في قتل ما لديه من الأسرى - كما هو معنى الاتفاق الدولي إذ ذاك - وعليه فالاستعباد عمل خير وبر.
الثاني:
أن الغالب يعد مالكا لأسراه ولأموالهم، والمالك يتصرف في أملاكه كيف شاء؛ وعليه فله حق استخدامهم واستعبادهم.
الفصل الثاني
الوقوع في الرق
تمهيد
اعلم أن للرومانيين قانونين؛ الأول: أحكامه تسري عليهم وعلى الأجانب بالسوية ويسمونه قانون الكافة، والثاني: أحكامه خاصة بهم ويسمونه القانون المدني - كالحق المخول لرئيس العائلة أن يقتل أي تابع له - وللوقوع في الرق أحكام خصوصية في كلا القانونين. (1) الاستعباد بقانون الكافة
يقع الإنسان في الرق أولا بالولادة، ثانيا بالأسر.
الولادة
يتبع الرومانيون قاعتين في الرق بالولادة: (1)
كل ولد ولد من زواج شرعي يتبع حالة أبيه في الحرية. (2)
تعتبر حالة الأب عند مبدأ الحمل فقط، وتعتبر حالة الأم وقت الولادة، وبما أن زواج العبد عندهم غير شرعي؛ فنسله يتبع حالة أمه، ولكنهم قد خالفوا القاعدة الثانية في منفعة المولود؛ حيث قرروا أن الولد الذي لبثت أمه بعض الزمن - ولو دقيقة - حرة وقت الحمل به أو وقت الولادة يولد حرا.
الأسر
لأجل الوقوف على حقيقة الوقوع في الرق بالأسر، يلزم معرفة تمييز الأجانب.
تعتبر الرومان الأجانب قسمين: (1)
المتبربرين - كسكان الغالة وجرمانيا وقتئذ - وهم قوم لا تتبع الرومان نحوهم إلا قانون الأقوى، وأسراهم عبيد سواء أسروا في السلم أو في الحرب. (2)
أجانب يسمونهم في زمن السلم بريجرين
وفي زمن الحرب هوستيس
Hostis
التي معناها «عدو»، وتتبع الرومان نحوهم قانونا ثابتا، ولا يؤسرون إلا في الحرب. (2) الاستعباد بالقانون المدني
يختلف الاستعباد بالقانون المدني باختلاف أدوار القانون الروماني؛ ففي الدور الأول كان يقع في الرق: (1)
كل روماني يرفض الخدمة العسكرية. (2)
كل من لم يكتب اسمه في دفتر تعداد الأنفس، وهو دفتر لا يوجد إلا في رومه اسمه السنس
Cens ، تكتب فيه أسماء الرومانيين كل خمس سنين. (3)
المدين الذي لم يسدد ما عليه من الدين في المدة التي عينتها المحكمة في حكمها الصادر بهذا الصدد. (4)
اللص الذي يضبط متلبسا بالجناية.
وفي العصر المدرسي دخلت جميع هذه الأسباب في خبر كان.
وفي عهد السلطة الملوكية كان يقع في الرق: (1)
من زنى من الرومانيات مع أحد عبيد الغير - بالرغم عن ثلاثة إنذارات من سيد العبد - تقع تحت سلطة ذلك السيد هي وجميع أموالها. ومن حملت به أو ولدته من الأولاد قبل وقوعها في الرق يبقى حرا. (2)
من أتى بجريمة عقوبتها الوقوع في الرق. (3)
كل من قابل سيده من المعتقين بضد ما يستحق، كأن يغل يده عن أن يعطيه الغذاء والسيد فقير. (4)
قد يقع في بعض الأحيان أن رومانيين نصابين يقيم أحدهما الآخر كسيد له لبيعه، وبعد تمام البيع وقبض الثمن يهرب المعتبر كعبد - وهو حر نصاب - ويرجع لرفيقه (الذي عمل سيده وقت البيع)؛ حيث يقاسمه في الثمن، ويأتي المشتري بعد ذلك يطالب البائع بالمبيع، فإن كان ثريا رد له دراهمه، وإلا فيملك المبيع - أي الحر النصاب الذي بيع باسم عبد - إلا أن ذلك يستلزم ثلاثة شروط: (1)
أن يكون المشتري جاهلا حقيقة الأمر؛ أي عالما بأن المبيع عبد حقيقي والبائع سيده. (2)
أن يكون البائع والمبيع على عكسه؛ أي لم يعملا ذلك إلا بقصد النصب. (3)
أن يكون سن المبيع فوق العشرين سنة.
الفصل الثالث
في حالة العبيد ومعاملتهم
إن حالة العبيد تختلف حسبما تكون بالنسبة للسيد أو بالنسبة للاجتماع الروماني.
معاملة السيد لعبده:
إن القاعدة القديمة الرومانية هي أن العبد وما ملكت يداه لسيده؛ بمعنى أن لكل سيد سلطة تامة على شخص العبد وماله، ولكن هذه السلطة قيدت في الأعصر الرومانية الأخيرة تقييدا جعلها وقفت عند حد لا تتعداه.
سلطة السيد على شخص العبد:
كانت هذه السلطة في بادئ الأمر مطلقة لا حد لها، ولكن مع الزمن وتقدم الأمة الرومانية في الحرب تعاظم عدد العبيد في المدينة، وزاد سوء تصرف الأهالي في هؤلاء المملوكين، حتى أصدر أنتونيان الملقب بالصالح أمره بأن كل سيد قتل عبده من غير سبب يعاقب بالإعدام أو بالنفي، وكذلك كل من عامل عبده بقسوة يلزمه بيعه - وقصد الشارع بذلك أنه ربما يملك لسيد شفوق - هذا مع حفظ ولاية التأديب للسيد، فضلا عن أنه حر في بيعه ورهنه وتركه إن شاء.
سلطة السيد على أموال عبده:
إن سلطة السيد على المال بقيت بحالة واحدة زمنا مديدا؛ أي إن الأعصر لم تغير شيئا من تصرفات السيد في أموال العبد واعتبارها له كلها؛ فالسيد في كل الأوقات مالك لجميع أموال عبده، وله أن يعطيه شيئا من المال يتصرف فيه، له استرداده منه متى أراد، ويسمى
.
ولما كان كل ما يمتلكه العبد لسيده؛ صح أن ينوب عنه في عقد العقود التي يكون السيد فيها دائنا لا مدينا. (1) العبيد في الجمعية الرومانية
إن زواج العبد في الاجتماع الروماني معتبر غير شرعي، كما قدمنا ذلك في أول الرسالة؛ فلا يتوارث به الزوجان، والعبيد وإن اعتبروا كمنقولات تتكلم؛ إلا أن الجرائم المرتكبة من الأجانب نحوهم تسبب للمذنب عقابا تختلف شدته حسب الأعصر، وهم إن ارتكبوا ذنوبا ضد الهيئة الاجتماعية يعاقبوا أشد العقاب، وغير ما ذكر من العبيد نوعان تخالف الحكام السابقة وهما:
أولا:
عبيد الكافة، وهم ملك الحكومة، ولهم أن يتركوا جزءا من أموالهم لا يتجاوز النصف لأولادهم في وصيتهم.
ثانيا:
عبيد لا سيد لهم وهم نوعان: (1)
عبيد عوقب سيدهم عقوبات قاسية. (2)
عبيد تركتهم أصحابهم، وهؤلاء الأخيرون يسهل عتقهم؛ حيث لا موالي لهم.
الباب الثاني
في الأحرار
تمهيد
تنقسم الأحرار إلى قسمين: أحرار نشئوا كذلك، وأحرار كانوا عبيدا ثم عتقوا؛ وهذا التقسيم يطلق على بني النوع الأول «أحرار»، وعلى بني النوع الثاني «معتقين»، ويستثنى من ذلك:
أولا:
أن الحرة التي لها علاقات داخلية مع عبد أجنبي برضا سيده تعتبر معتقته.
ثانيا:
من كان حرا - رومانيا - وأسر عند الأعداء، ثم عاد لرومه يرجع حرا؛ أي يكتسب ما يسمونه حق العودة.
وأعظم الأحرار قدرا هو رئيس العائلة؛ لأن له من الحقوق أعظم مما لغيره، فله حق الحرية والمدنية والعائلة، وأما غيره فإما لا يملك إلا الحرية فقط دون المدنية والعائلة - وهذا لا يعتبر رومانيا؛ لأنه فاقد للمدنية - وإما يملك الحرية والمدنية. ومن يفقد حق الحرية يفقد المدنية والعائلة، ومن يفقد حق المدنية يفقد حق العائلة دون حق الحرية.
الفصل الأول
عتق العبيد
يعتق العبد:
أولا:
بسيده.
ثانيا:
بالحاكم إن تراءى له ذلك.
ثالثا:
إن أعلم بقاتل سيده، أو رفع عنه مضارا جسيمة.
رابعا:
بمضي مدة تختلف بين العشرة والعشرين سنة على قول بعض المؤلفين.
وجميع هذه الحالات سهلة ظاهرة، غير أن أولاها تحتاج إلى بيان وزيادة وتوضيح.
عتق السيد لعبده، يلزم لذلك أربعة شروط:
أولا:
رضاء السيد بالعتق، ويكون ذلك بقوله في حياته أو بذكره في وصيته.
ثانيا:
ملك العبد للسيد ملكا حقيقيا.
ثالثا:
أن يكون السيد قادرا على العتق؛ أي لا يكون قاصرا.
رابعا:
أن يكون السيد هو المالك الوحيد؛ لأنه لو كان له شركاء وعتق العبد بلا رضاهم كان يعتبر هذا العتق في العصر الأول ملغى؛ لأن الحرية لا تتجزأ، ولكن جوستينيان اعتبره جائزا على شرط أن يدفع السيد العاتق لبقية الشركاء من المال قيمة أنصبتهم في العبد. (1) طرق العتق
تختلف طرق العتق على حسب الأعصر الرومانية.
طرق العتق في العصر الأول
للعتق ثلاث طرق على حسب ما نصه قانون الاثني عشر لوحة: الفنديكت ودفتر التعداد والوصية. (1)
طريقة الفنديكت
Vindicte : هذه الطريقة هي أهم الطرق وأقدمها، وكيفيتها أن يأتي العبد والسيد وشخص ثالث يقدم العبد أمام القاضي، ويبدأ مقدم العبد بأن يقول «هذا العبد حر»، فإما أن ينطق السيد بالتصديق أو يسكت فيحكم في الحال القاضي بحرية العبد. ومن هيئة هذه الطريقة نرى أنها على شكل قضية تخيلية. (2)
دفتر التعداد: إن هذه الطريقة قاصرة على كتابة اسم العبد في دفتر تعداد الأنفس. (3)
الوصية: وهي إما أن تكون موجهة للعبد مباشرة وللورثة، وفي هذه الحالة الأخيرة يوضح فيها الوصي عتق العبد بعد موته.
وللعبد الحق في رفع الأمر للحاكم إذا عضل الورثة في عتقه.
تلك هي طرق العتق في بلاد الرومان في عصرها الأول، وهناك فرق بين العتق بإحدى الطريقتين الأوليين والطريقة الثالثة؛ وهو أن العبد في الطريقتين الأوليين يحفظ ما أولاه سيده من المال - أي يحفظ ما يسمى
- وفي الطريقة الثالثة بالعكس، وفضلا عن هذا فإن العتق في الحالة الأولى لا يكون معلقا على شرط، وفي الحالة الأخيرة يتأتى أن يكون معلقا على شرط، كأن يقول السيد في وصيته: «أعتق عبدي فلانا، على أن يبني لورثتي بيتا مساحته كذا» مثلا.
طرق العتق في العصر المدرسي
فضلا عن طرق العتق المستعملة في العصر الأول، فإنهم أضافوا إليها في العصر المدرسي صحة العتق، إذا أوضح السيد حرية العبد أمام الجمهور، أو أرسل له خطابا يظهر له فيه أنه أعتقه، وماشا كل هاتين الطريقتين يعتبرونه غير شرعي، ويسمون العبيد المعتقين بهذه الصفة لاتان جونيان
Latins-Juniens ، وهذا النوع يفقد الحرية بموته؛ أي إنه حر في حياته وعبد بعد مماته.
العتق في عهد جوستينيان
قد أبطل جوستينيان العتق بدفتر التعداد، واكتفى في العتق بالفديكت بإظهار رغبة السيد أمام القاضي، وقرر أن السيد يمكنه إظهار رغبته بخطاب يرسله لعبده وعليه إمضاءات خمسة شهود، كما أنه يصح أن يعتق عبده أمام خمسة يخاطبه «يا بني» يقول إنه تبناه.
الفصل الثاني
الموانع الشرعية للعتق في زمن الجمهورية
لما ازداد عدد المعتقين في أواخر أيام الجمهورية الرومانية، وكان أكثرهم غير جدير بأن يصير حرا، قرر أغسطس في سنة 757 لرومه:
أولا:
من نال من العبيد عقابا يخدش الشرف، لا يملك بالعتق إلا حق الحرية فقط.
ثانيا:
لا يملك العبد المعتق الذي يبلغ من العمر أقل من الثلاثين سنة إلا حق الحرية دون غيره.
ثالثا:
لا يجوز للسيد الذي لم يبلغ من العمر العشرين سنة أن يعتق عبده إلا إذا كان مربيه، وفي هذه الحالة يحصل العتق بقرار من مجلس مخصوص مكون من أعضاء مجلس الشيوخ ومندوبي الأمة.
رابعا:
لا يجوز للمدين أن يعتق عبده، إلا إن كان مكث عنده عشرين سنة على الأقل.
تلك هي القاعدة الأصلية، وليس لها استثناء إلا في حالة ما إذا كان السيد لا وارث له؛ فيجوز أن يعتق عبدا واحدا من عبيده بوصية لكي يرثه، وبعد هذا القرار بثلاث سنوات أصدر أغسطس قرارا آخر يتضمن أن السيد لا يعتق في وصيته زيادة عن مائة عبد، ويجب عليه أن يبين أسماءهم وألقابهم، إلا أن هذا القرار لم يبق له أثر في عهد جوستينيان.
الفصل الثالث
معاملة المعتقين
إن معاملة المعتقين تختلف في العصر الأول لرومه وفي عصر جوستينيان عما كانت عليه في العصر المدرسي؛ ففي العصر الأول كما في عصر جوستينيان كانت المعاملة لجميع المعتقين واحدة، وأما في العصر المدرسي، فكان المعتقون على ثلاث طبقات؛ ولذلك اختلفت معاملتهم:
الأولى:
المعتقون المدنيون؛ أي الذين ملكوا بالعتق حق الحرية والمدنية، وهم الذين عتقوا حسب الشرائط الشرعية المتقدمة، ولم يقع منهم وهم عبيد ما استوجب عقابهم.
الثانية:
الديديتيس
Didictices ، وهم المعتقون الذين عوقبوا في زمن استعبادهم عقوبات قاسية؛ بسبب ما ارتكبوه من الجرائم .
الثالثة:
اللاتان جونيان
Latins Juniens ، وهم معتقون أصلهم في الغالب من البلاد المجاورة لرومه، يكونون طبقة متوسطة بين الأولى والثانية. (1) حقوق السيد على معتقه
إن للسيد على معتقه حقوقا وواجبات ترثها أولاده بعد موته بالسوية إن لم يخصصها لواحد منهم، وهي: (1)
يجب على المعتق أن يكرم سيده ويغذيه إن كان فقيرا. (2)
يجب عليه خدمته. (3)
للسيد حق الوصاية والوراثة. (1)
حق إكرام السيد: إن هذا الحق يجعل المعتق بعيدا عن أن يقيم ضد سيده قضية إلا بإذن من الحاكم، فضلا عن أنه يرجع عبدا إن لم يعطه الغذاء الضروري إن كان محتاجا له، وللسيد أن يتزوج بمعتقته ولو بغير رضاها. (2)
حق الخدمة: على المعتق أن يخدم سيده متى دعاه لذلك. (3)
الوصاية والوراثة: إن السيد هو الوصي الحقيقي على أولاد المعتق المتوفى، كما أنه الوارث الشرعي. (2) نهاية حقوق الموالاة
موت السيد أو المعتق ينقص من حقوق الموالاة دون أن يعدمها؛ فبموت السيد تحفظ أولاده تلك الحقوق على معتق أبيهم، وبموت المعتق يحفظ السيد ماله من الحقوق على أولاد ذلك المعتق الميت.
ولا تنقرض حقوق الموالاة إلا إذا وقع السيد أو المعتق في العبودية. (3) المعتق في الهيئة الاجتماعية
ينحصر الكلام هنا على حالة المعتق بالنسبة للحقوق العمومية كحق الانتخاب والتوظف بالوظائف العمومية، والحقوق الخصوصية كحق التزوج والسلطة الأبوية والهبة والوصية وغير ذلك، ولمعرفة تلك الحالة جيدا، يلزم التكلم على ما لكل نوع من المعتقين:
الديديتيس:
بما أنهم أدنى أنواع المعتقين وأحطهم قدرا، قرر الرومان أنهم لا يطئون أرض رومه ولا ما جاورها على ما بعد مائة ميل، وإلا يقعوا في العبودية مرة ثانية، وهم مجردون عن الحقوق العمومية والخصوصية.
اللاتان جونيان:
هم أحرار في حياتهم وعبيد بعد موتهم، مجردون عن الحقوق العمومية، وليس لهم من الخصوصية إلا حق الهبة والوصية، ولكي يتحصلوا على باقي الحقوق يلزمهم عتق جديد مع بقاء حقوق الموالاة.
المعتقون المدنيون:
إن المعتقين المدنيين كانوا ممتعين من الحقوق العمومية بحق الانتخاب وبكل الحقوق الخصوصية، وكانوا يسمونهم أصاغر القوم في مقابل الرومانيين - الذين هم رجال المجد والشرف - وهم أهل للاستيلاء على المناصب العالية إن رضي السيد بذلك. (4) المعتقون في عهد جوستينيان
قد سوى جوستينيان بين جميع المعتقين، فما بقي لاسم الديديتيس واللاتان جونيان في عصره من أثر، وانتهى به الأمر إلى أن ساوى بين الرومانيين الأصليين وبين المعتقين المدنيين.
الباب الثالث
عبيد الحراثة
عبيد الحراثة
لما كانت أمة الرومان أمة لا اشتغال لها إلا الحرب والأسر، ولا ساعد لها إلا السيف والرمح؛ أهملت في جانب ذلك خدمة الأرض وكثرت بنصراتها العبيد، حتى أصبح أقل الرومان مقاما يملك العدد العديد منهم، ولهذه الحال تنبه القوم؛ حيث صرفوا بعض عبيدهم نحو حراثة الأرض وزرعها، مع إعطائهم قليلا من الحرية تنشطهم على العمل؛ فمتعوهم بالحقوق الخصوصية، وشرطوا عليهم ألا يعقدوا أي عقد إلا برضاهم، ومنحوهم في مقابل خدمتهم الأرض أجرا، ولكنهم مع كل ذلك لم يزالوا تحت سلطة الأسياد - التي تكاد أن تكون مطلقة - فهم في الحقيقة يكونون طبقة بين العبيد والأحرار.
وتلازم عبد الحراثة هذه الصفة ما دام رقيقا.
منشأ عبودية الحراثة، يصير الإنسان عبد حراثة: (1)
بالولادة «أي يرث هذه الصفة عن أبيه». (2)
بنص قانوني «الذي يجعل في بعض الأحيان أمة كاملة عبيد حراثة». (3)
بالاختيار «كأن يطلبها حر». (4)
بمضي مدة قدرها ثلاثون سنة، ومثال ذلك إذا استمر حر يحرث أرض غيره هذه المدة، فإنه يصير عبده هو ومن يولد من أولاده بعد ذلك. «نهاية عبودية الحراثة»، تنتهي عبودية الحراثة: (1)
بالعتق. (2)
بالترقي إلى درجة الأسقفية. (3)
بمضي مدة قدرها ثلاثون سنة.
وقد محى جوستينيان هذه الحالة الثالثة.
অজানা পৃষ্ঠা