رجعنا إلى ما كنا فيه من التحليل فأيّد الله النفس الظاهرة بما أحل حتى حلها من وثاق الهوى، وخلصها من سجنها، وأخرجها من رقها، فقال: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، وقال: (كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) ثم قال على فوزه (ولا تتبعوا خطوات الشيطان)، ثم بين سبب النهي فقال: (إنه لكم عدوّ مبين)، فاعلم إن خطوات الشيطان هي التي تأمرك بالسوء والفحشاء، وهي نفسك الظاهرة حتى تشتهي فأطعمها الحلال فإن الله أحل وحرم فمن انتهى عن الحرام أبدل مكانه الحلال، وقال: (خلق لكم ما في الأرض جميعا) أي لم يكن لي فيما خلقت حاجة إنما خلقتها من أجلكم فخذوها من وجهها ووحيها ما أحللتُ لكم فقد جعلت الحلال بينا والحرام بينا وما حرّمت إلا الخبائث والفواحش ومما لا لذة فيه، وما أحللت إلاَّ الطيب واللذيذ فقال: (كلوا من الطيبات واعملوا صالحا)، أي لا تطيعوا النفس الباطنة فإنها تأمركم بالفحشاء والمنكر وقال: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا)، أي من طاعتي في الحلال فإن في الحلال غنية عن الحرام، قال الله جل وعز: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون)، فأباح أكل الحلال من الطيبات واقتضى الشكر على ما أحل وأباح لا على النعمة، ثم قال: (إن كنتم إياه تعبدون) فجعل شكرك على إباحته لك الحلال عبودة وتوحيدًا، ثم اعتذر فيما حرَّم ووصف الحرام، فقال: (إنما حرَّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله)، أي إني لم أحرم عليكم إلاّ مثل هذه فلو كنت أحللت لكم مكان هذه الطيبات تلك الفواحش والحرام ما كنتم تصغون، وكيف كنتم تتأولون ذلك فاشكروني على إني أحللت لكم شهوتكم التي تشتهون وحرمت عليكم ما تتقذرون وتخبث نفوسكم إذا ذكرتموها، وقوله: (وما أهل به لغير الله)، فالذي إذا ذبح لم يذكر عليه اسمي ما يصنع به ذلك فقد اجتمع عليه سمّ الدنيا وذلك أن اسمي مبارك واسم الطاغوت والشيطان شؤم وسم، فإذا لم يذكر اسمي وذكر اسم الطاغوت والشيطان كيف يهنئ ذلك في البطون فإني إنما حرمت مثل هذه الأشياء، فقال: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)، فاقتضى الشكر أيضًا على أنه أحل لك الحرام في أوقات الضرورة وأباح لك التناول، ثم قال: (إن الله غفور رحيم)، أي لا يأخذ على ذلك التناول من الحرام رحيم من رحمته أباح لك الحرام عند الضرورة، فهذا في الدنيا، وما في الآخرة، (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)، أي نهي نفسه الباطنة عن الحرام، وأعطاها من الحلال، وقال: (لكم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين) لما انتهى عن اتباع النفس الباطنة عن الحرام؛ فهذه صفة النفس الظاهرة والباطنة.
ولها أبواب سبعة شارعة إلى الجوارح، والجوارح سبع قرى حولها، فإذا كان الملك لها أميرا عليها جاريا سلطانه كانت لها ساكنة والقرى مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فإذا كفرت بأنعم الله فأطاعت الباطن بالحرام وتركت الحلال أذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون من موافقتها لما كره الله لها.
1 / 7