أأنت واثق مما تقول؟ - كل الثقة، وقد ذهب إليها فعلا. - ليذهب حيث شاء، وما علي من ذهابه إلى هذه القرية؟ - لو كان السيئ البخت ميتا لما تكلف بول عناء الذهاب إلى سانت مرتين، وإنما ذهب إليها ليعلم من أهلها حقيقة أمره. - لنفترض أسوأ الفروض وهو أن السيئ البخت لا يزال في قيد الحياة، فأية محكمة من محاكم العالم تسمع أقواله، وليس له أقل برهان على صدق ما يقول؟ - هو ذاك، غير أن أمه الكونتيس قد تعترف به. - إنها مجنونة. - يعز علي يا سيدي أن أضطر إلى إخبارك بأمر يسوءك. - ما هو؟
هو أن مدير المستشفى الذي تقيم فيها الكونتيس قد أرسل إليك هذا الكتاب الذي فتحته وقرأته، كما أفتح عادة كل رسائلك، وهذا هو، فأخذ البارون الكتاب بيد ترتعش، وقرأ فيه ما يأتي:
سيدي البارون
لقد تعودت أن أرسل إليك في آخر كل شهر تقريرا عن صحة سيدتي الكونتيس، امرأة عمك، وإليك تقريري الموجز عن صحة عقلها في هذا الشهر.
يظهر أن للطبيعة أسرارا لم يصل إليها العلم بعد، فإني بعد أن يئست من شفاء الكونتيس بدأت أرى اليوم أنها آخذة في سبيل الشفاء التام.
وإني لا أجسر أن أجزم بشفائها جزما باتا خوفا من انتكاسها، فقد مرت علي حوادث كثيرة تشبه حادثتها، غير أني أخبرك بما حدث.
فقد كنت منذ ثلاثة أيام مجتمعا مع عائلتي في القاعة بعد العشاء، فدخل علي الطبيب ، وهو أحد أعواني في المستشفى، وقال لي: أتعتقد يا سيدي أن داء الجنون يشفى؟ قلت: قد يشفى، ولكن ذلك في القليل النادر.
قال: إن الكونتيس دي نيفيل قد عاد إليها صوابها.
قلت: هذا محال، فإن جنونها يستحيل شفاؤه.
قال: إذن تفضل بالذهاب معي إلى غرفتها كي تفحصها بنفسك، فذهبنا إليها، فوجدتها جالسة قرب المستوقد وهي تقرأ بملء السكينة في كتاب، فأشارت إلي بالجلوس بجانبها، وقالت لي: إني أكلمك بملء الجد أيها المدير، فقد كنت مجنونة، أما الآن فقد شفيت، فحاولت أن أعترضها وأقول لها: إنها لم تكن مجنونة على الإطلاق، ولكنها ابتسمت وقاطعتني قائلة: لقد كنت أعلم - كما تعلم أنت - أني نكبت نكبة عظيمة بفقد ولدي الوحيد وزوجي، وأن الحزن بلغ مني أقصى مبلغ حتى إنه ذهب بعقلي، فوجدوني يوما حافية القدمين بين أدغال القصر، فكان هذا أول برهان على جنوني، وقد لبثت خمسة عشر عاما وأنا أغالب الجنون حتى غلبني، فتوهمت أن ولدي الذي دفنته بيدي لا يزال حيا، وأنه يبحث عني، ثم جاءتني فتاة ذات يوم وقالت لي: إن ولدي لم يمت، وكتب إلي بعد ذلك كاهن قرية سانت مرتين يقول: إن البستاني اعترف له بأن ولدي لم يمت، على أن كل ذلك كان وهما باطلا، والحقيقة أن ولدي ميت، وإني وحيدة في هذا الوجود، ولكني لا أريد أن أقضي بقية أيامي في مستشفى المجانين، وأؤثر أن أعيش في دير أتقرب فيه إلى الله بالصلاة إلى أن أموت.
অজানা পৃষ্ঠা