قال: ومتى عدت إلى باريس تجتمع بباكيتا فتجمعك بأمك.
أجاب: هذا الذي أرجوه.
إذن سأهتم بك، فاعلم الآن أنه يوجد في ميناء بريتون سفينة فرنساوية تسافر غدا إلى بولونيا، وربانها من أصحابي، فسأعهد إليه أن يوجهك إلى باريس، ويوصي بك بعض أهل النفوذ، فتستطيع بوساطتهم مقاومة البارون دي نيفيل.
قال: إنك شريف كريم يا سيدي، وإني لا أنسى جميلك ما حييت.
قال: إننا لا نستطيع أن نبيت هذه الليلة في السفينة، وسوف ندخلها في الحوض لإصلاحها، وأنا سوف أبيت عند أحد أصحابي، أما أنت فتبيت في فندق، وعند الصباح نجتمع على رصيف الميناء، فأذهب بك إلى السفينة المسافرة إلى بولونيا. ثم أعطاه دينارين وخرج الاثنان إلى البر، فذهب الربان في شأنه وذهب فيلكس إلى أول حانة لقيها وهو يكاد يقتله الجوع، وكانت هذه الحانة غاصة بالبحارة، فطلب طعاما وشرابا، وجعل يأكل غير مكترث لأحد، وهو لو انتبه لرأى رجلين جالسين على مائدة بجواره وقد جعلا يتحدثان همسا حين رأياه، ولكنه كان في شاغل من أكله عن كل ما عداه.
وكان فيلكس متعودا على شرب الخمر البيضاء كسائر أبناء اللوار، فلما شرب من شراب الإنكليز حدثت له نشوة دعته إلى الاستزادة من هذا الشراب، وكان الرجلان اللذان بجواره ينظران إليه، ويتحدثان بصوت منخفض، وكلاهما بملابس البحارة، فكان أحدهما يقول لرفيقه: إني أرى هذا الفتى خيرا من ثلاثة من بحارتنا، وهو بحار دون شك، ولولا ذلك لما دخل إلى هذه الخمارة الخاصة بالبحارة. - هو ذاك، ولكن كيف السبيل إليه؟ - بالويسكي، وسوف ترى.
ثم التفت إلى فيلكس وقال له: أتأذن لنا أيها الرفيق أن نشرب معك كأسا من الويسكي؟
فرحب فيلكس به، وهو يكاد ينعقد لسانه من السكر، وشرب الثلاثة كئوسهم، ثم بدأ يحادثه فقال له: متى أتيتم إلى برايتن؟ - لقد وصلنا في هذا المساء. - ماذا تدعي سفينتكم؟ - مرغريتا الحسناء. - إذن هي تلك السفينة التي كانت تحطمها العاصفة، وصب له كأسا، وقال له: هل تحب ربان هذه السفينة؟ - دون شك، فإنه من أطيب الناس قلبا. - وستبيت الليلة في البر، فإن سفينتكم دخلت الحوض؟ - هو ذاك. - في أي فندق ستنام؟ - لا أعرف بعد. - إذن تنام في فندقنا، فهو من خير الفنادق، وأسرعها جريا، وكان الشراب قد نال من فيلكس وأوشك أن يصرعه، ومع ذلك فقد دهش من قول البحار، وقال له: كيف ذلك؟ أيوجد فنادق تتحرك وتسير؟
قال: بل إن فندقنا يسير، ويطوف حول الأرض.
فضحك رفيقه وقال له: إن صاحبنا يداعبك، فإن الفندق الذي يعنيه إنما هو سفينتنا، ثم صب له كأسا أخرى، فشربها فيلكس وقال له: إذن ستنامان في البر؟ - كلا، بل في السفينة. - ولكني لا أستطيع المبيت معكم فيها. - لماذا؟ أجاب: لأني اتفقت مع الربان على أن نلتقي صباحا على الرصيف، قال: ذلك لا يمنعك أن تبيت عندنا، فإننا سنقيم في هذه الميناء شهرا أيضا لنتم شحنتنا، وأنا أفطر كل صباح في قهوة الرصيف فتأتي معي.
অজানা পৃষ্ঠা