আবু শুহাদা হুসাইন ইবন আলী
أبو الشهداء الحسين بن علي
জনগুলি
وهكذا كانوا جميعا لا يبالون ما يلقون، ما علموا أنهم قائمون بالحق وعليه يموتون.
وأراد الحسين - وقد علم أن التسليم لا يكون - أن يبقى للموت وحده، وألا يعرض له أحدا من صحبه، فجمعهم مرة بعد مرة، وهو يقول لهم في كل مرة: «لقد بررتم وعاونتم والقوم لا يريدون غيري، ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أحدا، فإذا جنكم الليل فتفرقوا في سواده وانجوا بأنفسكم.»
فكأنما كان قد أراد لهم الهلاك ولم يرد النجاة، وفزعوا من رجائهم إياه كما يفزع غيرهم من مطالبتهم بالثبات والبقاء، وقالوا له كأنهم يتكلمون بلسان واحد: «معاذ الله والشهر الحرام، ماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم؟ أنقول لهم: إنا تركنا سيدنا وابن سيدنا وعمادنا، تركناه غرضا للنبل ودريئة للرماح وجزرا للسباع، وفررنا عنه رغبة في الحياة؟ معاذ الله، بل نحيا بحياتك ونموت معك.»
قالوا له: نموت معك ولك رأيك. ولم يخطر لأحد منهم أن يزين له العدول عن رأيه إيثارا لنجاتهم ونجاته، ولو خادعوا أنفسهم قليلا؛ لزينوا له التسليم، وسموه نصيحة مخلصين يريدون له الحياة، ولكنهم لم يخادعوا أنفسهم ولم يخادعوه، ورأوا أصدق النصيحة له أن يجنبوه التسليم ولا يجنبوه الموت، وهم جميعا على ذلك.
ولم يكونوا جميعا من ذوي عمومته وقرباه؛ بل كان منهم غرباء نصحوا له ولأنفسهم هذه النصيحة التي ترهب العار ولا ترهب الموت، فقال له زهير بن القين: «والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة، ويدفع الله بذلك الفشل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.»
وقال مسلم بن عوسجة كأنه يعتب لما اختار له من السلامة: «أنحن نخلي عنك؟ وبم نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ لا والله حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدى، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به؛ لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك. وأما والله لو علمت أنني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك.»
وجيء إلى رجل من أصحابه الغرباء بنبأ عن ابنه في فتنة الديلم، فعلم أن الديلم أسروه، ولا يفكون إساره بغير فداء، فأذن له الحسين أن ينصرف وهو في حل من بيعته ويعطيه فداء ابنه، فأبى الرجل إباء شديدا، وقال: «عند الله أحتسبه ونفسي.» ثم قال للحسين: «هيهات أن أفارقك ثم أسأل الركبان عن خبرك، لا يكن والله هذا أبدا.» •••
وقد تناهت هذه المناقب إلى مداها الأعلى في نفس قائدهم الكريم، يخيل إلى الناظر في أعماله بكربلاء أن خلائقه الشريفة كانت في سباق بينها أيها يظفر بفخار اليوم كله، فلا يدري أكان في شجاعته أشجع، أم في صبره أصبر، أم في كرمه أكرم، أم في إيمانه وأنفته وغيرته على الحق بالغا من تلك المناقب المثلى أقصى مداه، إلا أنه كان يوم الشجاعة لا مراء، وكانت الشجاعة فضيلة الفضائل التي تمدها سائرها بروافد من كل خلق نبيل يعينها على شأنها. فكان الحسين - شبل علي - في شجاعته الروحية والبدنية معا في غاية الغايات، وكان مضرب المثل بين الرعيل الأول من أشجع الشجعان في أبناء آدم وحواء.
ملك جأشه، وكل شيء من حوله يوهن الجأش، ويحل عقدة العزم، ويغري بالدعة والمجاراة.
ملك جأشه ومن حوله نساؤه وأبناؤه في نضارة العمر، يجوعون ويظمأون، ويتشبثون به ويبكون، وملك جأشه روية وأناة، ولم يملكه وثبة واثب إلى الغضب أو هيجة مهتاج إلى الوغى، فكان قبل القتال وفي حومة القتال قويا بصيرا ينفض الضعف عن عزائمه، كما ينفض الأسد غبرات الحصباء عن لبده، ولم يخامره الأسف قط في ذلك الموقف المرهوب إلا من أجل أحبائه وأعزائه الذين يراهم ويرونه، ويسمع صيحتهم ويسمعونه. فقال وهو ينظر إلى الأخبية ومن فيها: «لله در ابن عباس فيما أشار به علي!»
অজানা পৃষ্ঠা