فلما خرج ظلت الدهقانة صامتة وقد تحرك خاطرها شفقة على ذلك الشاب لما تضمره له من الشر، ثم خشيت أن يميل قلبها إليه فتمثلت صورة أبي مسلم في ذهنها، فهاجت عواطفها وذهب رسم علي من ذهنها، ولم تتمالك عند انفرادها بريحانة أن قالت بالفارسية: «متى يأتي الضحاك لنسأله عما شاهدناه في هذا النهار؟»
قالت ريحانة: «لا يلبث أن يأتي، وقد أوصانا بالأمس ألا نستبطئه إذا غاب.»
قالت: «إن لهذا الرجل لشأنا؛ فقد جاء ليكون في خدمتي وأراه يقضي معظم وقته خارجا!»
فقالت ريحانة: «إذا غاب يا مولاتي، فإنما يغيب في خدمتك أيضا. هكذا فعل بالأمس؛ فلا تلومي الغائب حتى يحضر.»
فقطعت جلنار كلامها قائلة: «إني - والحق يقال - لم أر مثل إخلاص هذا العربي في خدمتنا. والغريب أنه عربي ولم يستنكف أن يكون من موالينا.»
فقالت ريحانة: «إن العرب ليسوا الآن كما كانوا من قبل؛ فقد انحلت عصبيتهم، وانقسموا فيما بينهم، ودالت دولتهم. ألا تذهبين إلى المائدة؟»
فنهضت جلنار ومشت وهي تقول: «نذهب إلى المائدة نتلهى بالطعام ريثما يعود ذلك المهذار.»
فمشت ريحانة في أثرها وهي تتمتم قائلة: «لا أظنه مهذارا.»
تناولتا الطعام وقضتا برهة تتشاغلان بالأحاديث، وكلما سمعتا وقع أقدام تظنان أن الضحاك قادم، حتى طال انتظارهما وغلب عليهما النعاس، فذهبت جلنار إلى الفراش وتوسدت، وظلت ريحانة جالسة بين يديها والنعاس يغالبها والقلق ينبهها، فانقضى هزيع من الليل ونام أهل المعسكر وساد السكوت، وسكت القصاصون والقراء ولم يأت الضحاك، ثم غلب النعاس على جلنار فنامت، وظلت ريحانة جالسة وعيناها مغمضتان من مقاومة النعاس، وقد ثقلت أجفانها وتطأطأ رأسها رغم إرادتها، ونامت نوما متعبا وهي منتبهة الحواس إذا سمعت خربشة استيقظت مذعورة؛ لشدة قلقها على غياب الضحاك.
الفصل الرابع والثلاثون
অজানা পৃষ্ঠা