فاستغرب أبو مسلم قوله، وأعجب بسداد رأيه؛ لأن هذا هو الرأي الذي كان قد عزم عليه، وقال : «ذلك هو الرأي الصواب يا رجل، وهو الذي عزمت عليه، ولكن ما هو الطريق إلى إلقاء الفتنة الليلة حتى تتم لنا الحيلة في صباح الغد؟»
قال: «أتستشيرني يا مولاي؟»
قال: «لا بأس من المشورة؛ فإنها آمن عاقبة، فإذا لم يعجبني رأيك رجعت إلى رأيي.»
فأخد الضحاك يحك جانب رأسه بإحدى يديه، ويده الأخرى على عمامته يسندها لئلا تقع، ثم ضحك وقال: «أكرم بك يا ضحاك! إن الأمير يستشيرك!» ثم عاد إلى هيئة الجد وقال: «الرأي - يا سيدي - أن تكتب كتابا نجعل عنوانه إلى شيبان الحروري؛ صاحب الجند الآخر المعسكر وراء الكرماني، وتقول في خطابك إلى شيبان المذكور ما معناه: «إن قبائل اليمن لا وفاء لهم، ولا خير فيهم؛ فلا تثقن بهم، فإني أرجو أن يمكنك الله منهم، وإذا بقيت فلن أدع لأهل اليمن شعرا ولا ظفرا.» أو نحو ذلك مما يدل على أنك تكره اليمنية، ولا ترجو خيرا منهم. وترسل هذا الكتاب مع رسول تأمره أن يجعل طريقه إلى معسكر شيبان من جهة معسكر المضرية أصحاب نصر بن سيار. فهم طبعا سيشكون في أمره، ويقبضون عليه، ويأخذون الكتاب منه فيفتحونه ويطلعون عليه، فيقوم في نفوسهم أنك معهم قلبا وقالبا، فيميلون إليك وتقوى نفسهم على اليمنية. واكتب كتابا آخرا إلى شيبان أيضا على نفس هذه الطريقة، ولكنك تطعن فيه المضرية، وتقول عنهم مثل الذي قلته عن اليمنية بذلك الكتاب، وترسل هذا الكتاب مع رسول يجعل طريقه من جهة معسكر الكرماني؛ وهم يمنية، فيشكون في أمر الرسول ويطلعون على الكتاب، فيرون أنك معهم على المضرية، وتقوى نفوسهم بك،
1
فإذا نشب القتال في الغد وأردت النزول كان الفريقان معك.» وضحك ضحكة طويلة، فلم يتمالك أبو مسلم عن مجاراته في الضحك ولو قليلا، وقد انبسطت نفسه بذلك الدهاء وقال: «إن لك لشأنا يا رجل، وما أنت ضحاك كما تتظاهر. إني فاعل كما أشرت الساعة.» ثم نهض ليأمر الكاتب بذلك، فتعلق الضحاك بذيله وقال: «وأنا؛ ماذا أعمل ؟»
قال أبو مسلم: «تأخذ هدية جزاء صدق خدمتك .»
قال: «هدية؟ إني لا ألتمس على خدمتي أجرا، ومع ذلك فإني لم أفعل شيئا أستحق عليه أجرا، ولعلي أستطيع ذلك بعد الآن. إني منصرف الساعة إلى مولاتي الدهقانة، وسأبلغها سلامك وامتنانك، ليس لأنك تحبها، ولكن لأن ذلك يسرها ويخفف ألمها من رؤية عريسها الأعور!»
قال أبو مسلم: «ومن تعني؟»
قال: «أعني علي بن الكرماني؛ فإنه نصف أعمى، فضلا عن غرابة شكله، وهو مع ذلك زوجها بعقد مكتوب، ومهر مدفوع. وسترى كم ينفعنا هذا العقد. أنا منصرف الآن بأمرك، وسآتيك بالأخبار عند الحاجة.»
অজানা পৃষ্ঠা