قال الفارس: «كلا. وهل فتحتم مرو؟»
قال: «فتحناها منذ بضعة أيام وأعلام الحق تخفق الآن فوق دار الإمارة، ولو عجلتم قليلا لشهدتم الفتح واشتركتم في الغنيمة. كيف فارقتم شيعتنا في الكوفة؟»
قال الفارس: «هم في خير، وستشتد عزيمتهم بخبر الفتح، ولا سيما أبو سلمة، رعاه الله.»
قال صالح: «وكيف أبو سلمة؟»
قال: «هو عمدتنا وذخرنا، وهذه الأموال كلها من عنده، وهو - كما تعلم - لا يدخر وسعا في نصرة هذه الدعوة، والحق يقال إن هذه الدعوة إنما تقوم بسيف أبي مسلم ومال أبي سلمة الخلال.»
1
فتذكر صالح حال أبي سلمة هذا، وأنه من كبار الأغنياء، وقد بذل ماله في سبيل نصرة الشيعة، وأنه كان قبل ظهور أبي مسلم يفعل ذلك في نصرة شيعة علي، كما كان يفعل سليمان بن كثير، فلما تحولت الدعوة إلى العباسيين ورأسها أبو مسلم أذعن كما أذعن ابن كثير، وصار يبذل أمواله في نصرتهم. ومرت القافلة وهما واقفان يتكلمان، وصالح ينظر إلى الأحمال فإذا هي كثيرة، وفيها صناديق الأموال، فلما خطر له أمر أبي سلمة الخلال تظاهر بالإسراع، وودع الفارس وأوصاه بالإسراع وقال له: «واصلوا السير إلى مرو، ولا تقفوا في هذه المحطة؛ فتصلوا إلى مرو في العشاء.»
فأشار الفارس إشارة الطاعة وافترقا، فأظهر صالح أنه يسير نحو الكوفة حتى إذا توارت القافلة عن بصره، رجع الهوينى في أثرها بحيث يرى أطرافها، ولا يراه أحد من أهلها، فرآها عند وصولها إلى المحطة لم تقف إلا قليلا ثم أقلعت، فسره ذلك وسار إلى خيمة الدهقانة فرآها لا تزال جالسة عندها، فسأل الخدم عن القافلة فقالوا: «أنهم مشوا مسرعين ولم يقولوا شيئا.» فذهب إلى خيمته وبدل ثيابه وهو يفكر في أبي سلمة الخلال والسبيل إلى تحويله عن نصرة أبي مسلم، وإذا بسعيد الصقلبي قد جاءه مسرعا وناداه بلهفة فقال له: «ما وراءك؟»
قال: «أدرك مولاتي الدهقانة، فإنها استيقظت من نومها وهي تبكي وتنتحب، ولا نعلم ما بها.»
فعلم أنها تبكي لأنها يتيمة وغريبة، وقد أخذت تحس بمصيبتها وتتبين ضخامتها، فأسرع إلى خيمتها فلقي ريحانة بالباب وهي تشير إليه أن يسرع، فدخل الخيمة فرأى جلنار جالسة في الفراش، وشعرها مرسل على كتفيها، وقد احمرت عيناها، وتكسرت أهدابها من كثرة البكاء، فلما أطل صالح صاحت به: «آه يا صالح، بل يا ضحاك؛ لأني هكذا كنت أناديك في أيام سعادتي، وأنا الآن يتيمة مقهورة شاردة هاربة.»
অজানা পৃষ্ঠা