فأطرق لحظة ثم قال: «لا بأس من ذهابك معي، فأنزلك عند صديق لي من دهاقين مرو أعرف أنه يقيم في قصره بجوار دار الإمارة.»
ففرحت جلنار بذلك وظهر الفرح على وجهها ، فأمر الدهقان خازنه أن يعد الأموال ليحملها معه إلى مرو، وأن يعدوا الهدايا من الرقيق والثياب وغير ذلك.
الفصل التاسع والأربعون
مجلس أبي مسلم
وفي صباح اليوم التالي، ركب في كوكبة من الفرسان، وجعل الهدايا في حملة تسير في أثره ومعها هودج جلنار وريحانة، ومشى صالح مع الخدم. وفي الضحى وصل الموكب إلى مرو يتقدمه رسول أبي مسلم، فدخلوا المدينة وساروا حتى أقبلوا على دار الإمارة، فأمر الدهقان أن ينزلوا جلنار في قصر صديقه بقرب تلك الدار، فأنزلوها، وترجل هو ورجال حاشيته يمشون بين يديه وعليهم الملابس الفاخرة، وبمناطقهم السيوف المحلاة بالذهب كأنهم بين يدي ملك، فمشوا على هذه الصورة في فناء الدار، والناس يوسعون لهم، حتى أقبلوا إلى باب القصر وعليه الحراس، فاستأذنوا للدهقان بالدخول، فأذن له أن يدخل وحده، وأن ينصرف رجال حاشيته إلى دار الضيوف، فدخل الدهقان وعليه قلنسوة حولها عمامة موشاة بالذهب، وقد تزمل بجبة من الخز فوقها مطرف من الحرير المزركش يساوي مالا كثيرا. وكان قد نزع سيفه وسلمه إلى أحد الخدم السائرين بين يديه.
دخل القصر ومشى في الصحن الداخلي حتى وصل إلى القاعة التي ينعقد فيها مجلس أبي مسلم ومعه نقباؤه وقواده، فدخل الدهقان القاعة وفي صدرها أبو مسلم على كرسي، وإلى جانبه خالد بن برمك وسليمان بن كثير وجماعة من النقباء، فلما أقبل على أبي مسلم رحب به فحياه وتقدم، فأمر له بالجلوس بين يديه، فجلس متصدرا وأعاد التحية، فقال له أبو مسلم بالفارسية: «نشكرك على هداياك أيها الدهقان.»
قال: «إني لم أهد شيئا، وإنما قدمت ما يجب علي؛ لأن المصلحة واحدة.»
قال أبو مسلم: «بل أنت تفضلت، ولا ننسى ضيافتك يوم نزلنا عندك.»
فانشرح صدر الدهقان لذلك الثناء وقال: «كل ذلك واجب، وقد فعلته لأن الدعوة التي قمتم بها ينبغي على كل خراساني أو فارسي أن ينصرها؛ لأنها هي نقمة الفرس على العرب.»
فنظر أبو مسلم إلى خالد فرآه ينظر إليه، ثم حولا نظرهما إلى الدهقان فإذا هو يزداد تصدرا ويده في لحيته يمشطها بأنامله، فقال له أبو مسلم : «هل كنت تعلم بذلك قبل الآن؟»
অজানা পৃষ্ঠা