فارتبكت جلنار في أمرها، وأعظمت الجريمة، على أنها كانت (وهي في معظم الاضطراب) تشعر بفرح داخلي عميق لتخلصها من ابن الكرماني وتقربها من حبيبها.
فأخذت ريحانة تخفف عنها وتمنيها بقرب الاجتماع بحبيبها حتى سكن روعها ، وتظاهرت بالرقاد ولكنها لم تستطع نوما.
1
الفصل السادس والأربعون
أرسله إلى خوارزم
أما أبو مسلم، فكان ساهرا في قصر الإمارة ينتظر نتيجة ما دبره على ابن الكرماني والضحاك معا بواسطة إبراهيم الخازن؛ فقد رأيت أنه أوعز إلى الضحاك أن يستعين بإبراهيم المذكور على قتل ابن الكرماني، فسار إليه واتفقا على أن يلبس إبراهيم جلد دب ليتمكن من دس السم في القدح، على ما تقدم، ولكن أبا مسلم أوصى إبراهيم أن يقتل الضحاك أيضا بالسم. وكان قد كلفه قبلا كشف حقيقة الضحاك ليلة ذهابه إلى شيبان، فرافق ذلك القصاص، وحمل الطنبور، وتظاهر بالرمد، وأسدل طرف العمامة على عينيه لئلا يفطن له أحد. ولما كان شيبان وشبيب يتساران كان إبراهيم وراء خيمة شيبان يتظاهر بالنعاس، وقد سمع كل ما دار بينهما ونقله إلى أبي مسلم في تلك الليلة. فلما عاد الضحاك ليلتئذ خادعه أبو مسلم برغبته في محالفة شيبان ريثما يتمكن من قتل ابن الكرماني على يده ثم يقتله. ولما وصاه باصطحاب إبراهيم تلك الليلة أمر إبراهيم بقتله، كما تقدم، فسقاه السم في قدحه كما فعل بابن الكرماني، ولكن الضحاك ساقه طول أجله إلى استفراغ معدته، وهو إنما فعل ذلك لتنطلي حيلته على ابن الكرماني، ويدفع التهمة عنه، فنفعه ذلك؛ إذ أخرج السم من جوفه قبل أن يؤثر في معدته. أما إبراهيم فظن أنه قام بمهمته وأمات الاثنين، فهرول مسرعا وطرح عنه جلد الدب وجاء أبا مسلم ليبشره بذلك، فوجده ساهرا في انتظاره، فأخبره بما كان، فسر أبو مسلم وأثنى عليه ووعده خيرا.
وأما الضحاك فقد كان متفقا مع إبراهيم على دس السم في قدح ابن الكرماني، وأن يخرجا فيلتقيان في طرف المعسكر، ثم يذهبان معا إلى أبي مسلم، فلما رأى إبراهيم أفلت ظنه فعل ذلك عمدا على أن ينتظره في الموعد، فأسرع في أثره، فشعر في أثناء الطريق بطعم غريب في فيه، وأحس بانحطاط في قواه، فنسب ذلك إلى تأثير الشرب، وخطر له أنه ربما أصابه شيء من السم غلطا، فعول على الاستفهام من إبراهيم، فوصل في الموعد فلم يجده، فساء الظن فيه، ووقف هناك وأطرق مفكرا فيما مر به في هذين اليومين، فانتبه لنفسه، فترجح عنده أن أبا مسلم خدعه وسايره حتى نال مراده بقتل ابن الكرماني، ثم أراد قتله هو ليتخلص منه، لكنه لم ير سببا يدعو إلى ذلك؛ لزعمه أن أبا مسلم لا يعلم أنه من أمراء الخوارج، فرأى أن يذهب إلى أبي مسلم ويلاقيه على حذر، فسار إلى قصر الإمارة، حتى إذا أقبل على باب القاعة سأل الحارس عن الأمير، فقيل له إنه في غرفته، فأراد أن يستأذن في الدخول عليه ثم توقف ليعمل فكرته. وكان الحارس قد عرفه من الأمس، ورأى ما كان من احتفاء أبي مسلم به، فجلس الضحاك إليه وأخذ يضاحكه ويسايره حتى اطمأن إليه، فسأله عن الأمير ومن عنده، قال: «عنده خازنه اليهودي.»
قال: «وهل هو يهودي حتى الآن؟»
قال: «يتظاهر بالإسلام والإسلام بريء منه؛ فإن هؤلاء اليهود قد فرحوا بالإسلام لأنه نجاهم من ظلم الأكاسرة والقياصرة، وأكسبهم الأموال من دولة العرب؛ لأنهم يعدون أنفسهم من أقاربهم.»
قال: «وهل إبراهيم مع أبي مسلم الآن أم خرج من عنده؟»
অজানা পৃষ্ঠা