قال الغلام: «تركته مع رفيقه الضرير في خيمة الأعوان، وهما في الانتظار ريثما يؤذن لهما بالإنشاد.»
قال شيبان: «إلي بهما.»
فخرج الغلام ثم عاد وهو يقول: «لم أجدهما يا مولاي. يظهر أنهما ذهبا للنوم؛ لآني آنست فيهما نعاسا شديدا بعد أن أمرا بالسكوت، حتى رأيتهما ناما والناس جلوس، فتركوهما نائمين وخرجوا، فذهبت إليهما الآن فلم أجدهما. فالظاهر أنهما استبطآ الأمير في دعوتهما فانصرفا.»
فقال: «لا أظنهما ينصرفان قبل أن يأخذا المكافأة! ابحث عنهما جيدا حول هذا المكان؛ فقد أطربانا ويجب علينا أن نكرمهما.»
فخرج الغلام وعاد بعد برهة ولم يعثر عليهما، فأسف الأمير لذهابهما بغير مكافأة، وأوصى الغلام أن يتحرى شأنهما في غد لئلا ينسبا إلى الأمير البخل، ثم اختتمت الجلسة وذهب الأمراء إلى أماكن النوم، وظل الأمير شيبان وحده يدبر الوسائل للاتصال بالأمراء اليمنية في غد.
أما شبيب، فلما بعد عن معسكر الخوارج اختلى في مكان بدل فيه ثيابه حتى عاد إلى ما كان عليه من مظهر المجون، وسار توا إلى معسكر أبي مسلم، فوصل إلى المعسكر وقد مضى معظم الليل، ثم أقبل على المنزل الذي فارق أبا مسلم فيه، ولم يدهش لوجوده مستيقظا إلى تلك الساعة؛ لعلمه بسهره على مصلحته، وتيقظه في مراعاة مشروعه. ولم يلق الضحاك معارضة من أحد. فلما وقف بالباب دخل به الحارس على أبي مسلم، فإذا هو لا يزال بملابس النهار، فلما دخل احتفل أبو مسلم بدخوله وبش له وناداه قائلا: «أهلا بالضحاك. أرجو أن تكون قد وفيت بالوعد.»
فمد الضحاك يده وتقدم نحو أبي مسلم باحترام والخاتم بين إبهامه والسبابة، وقال: «هذا هو الخاتم يا مولاي؛ فقد أدى مهمته. شكرا له ولصاحبه.»
فمد أبو مسلم يده وتناول الخاتم وهو يقول: «بل الشكر لك أيها الهمام. هل أرسلت الرجل إلى خوارزم؟» وكانت عادته إذا أراد قتل رجل قال: «أرسلوه إلى خوارزم.» وهو يعني بخوارزم الموت.
قال: «لم أستطع إرساله الليلة؛ لأني وجدت الدهقانة مترددة في تنفيذ الحكم؛ لأنها لم تتعود مثل هذه الأوامر المستعجلة.» وضحك.
فسايره أبو مسلم في الضحك وقال: «لا بأس من الانتظار، ولكن هل استوثقت من قيامها بالأمر غدا أو بعد غد؟»
অজানা পৃষ্ঠা