فأمره أن يدعو أهله وعشيرته، فقال:
{وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (1).
وقال عز من قائل:
{وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير} (2).
أمره أن يدعو قومه إلى سبيل الرشاد، ليحملوا عبء تبليغ الرسالة إلى الأمم الأخرى، فيكون لهم شرف المبلغ الهادي، ويخلد اسمهم أبد الدهر، كما أراد الله للرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام -، وللأمة العربية التي تلقت الرسالة، وانطلقت تحرر العالم من الظلم والطغيان، وتوجه مركب الإنسانية إلى شاطئ السلام، وتخرجه من الظلمات إلى النور، سالكة سبيل الهداية والحق، حاملة لواء التحرير ... بعد أن تنكب الناس الصراط المستقيم، وتخبطوا في غياهب الجهالة والضلال.
إلا أن هداية العرب لم تكن سهلة، بل تحمل الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام - في سبيلها المشاق الكثيرة، وأوذي في جسمه وماله، وأهله وأصحابه ووطنه، وكان يدعو ليلا ونهارا وسرا وإعلانا، ويسأل الله السداد والرشاد، متطلعا إلى هداية قومه ليحملوا الرسالة ويؤدوا الأمانة.
لقد أوحى الله إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقومه على دين آبائهم، وثنية وأصنام، يسودهم النظام القبلي، وتربط بينهم صلة القرابة والدم، لا يحكمهم نظام عام، بل يخضعون للعادات والأعراف، يدفعهم الشرف والمفاخرة بالأنساب إلى المنافسة في المكارم والمروءات، يعيشون في حلقة الأسرة والقبيلة، في إطار الجزيرة العربية.
وكان لحياته تلك أثر بعيد في صفاء نفوسهم، ومحافظتهم على أمجادهم وعاداتهم، وتفانيهم في سبيل مثلهم الأعلى، حتى كانوا يسرفون في ذلك كله، فهم كرام يبذلون ما يستطيعون للضيف، فيبلغون في ذلك حد الإسراف.
পৃষ্ঠা ১২