كانت ميريام هي من أجابت. قالت برفق وهي تتطلع إلى جوليان: «أي أرض يرقد تحت ثراها رجل صالح هي أرض مقدسة.»
التفتت جوليان إلى ثيو. «كان لوك سيرغب بأن نصلي عليه قداس الجنازة. كتاب صلواته موجود في جيبه. رجاء افعل ذلك من أجله.»
فردت المعطف الملطخ بالدماء وأخرجت من جيبه الداخلي العلوي كتاب صلوات صغير بغلاف جلدي أسود، ثم أعطته ثيو. لم يستغرق إيجاد موضع الصلاة منه وقتا طويلا. كان يعرف أن القداس ليس طويلا، لكنه مع ذلك قرر أن يبتتره. فلم يستطع أن يرد طلبها، لكن تلك المهمة كانت ثقيلة على نفسه. بدأ يتلو الكلمات، بينما وقفت جوليان على يساره وميريام على يمينه. في حين وقف رولف على حافة القبر مباعدا بين ساقيه وعاقدا ساعديه يحدق أمامه. كان وجهه المجروح شاحبا للغاية، وجسده متسمرا حتى إن ثيو، عندما رفع عينيه لينظر إليه، خشى قليلا أن يسقط على وجهه في الطين الهش. لكن احترامه له ازداد. فقد كان يستحيل عليه أن يتخيل القدر الهائل من خيبة الأمل ومرارة الخيانة اللتين كان شاعرا بهما. لكنه على الأقل كان لا يزال واقفا على قدميه. تساءل إن كان في استطاعته الحفاظ على رباطة جأشه مثله لو كان في مكانه . لم يرفع عينيه عن كتاب الصلوات، لكنه كان يدرك أن عيني رولف الداكنتين كانتا تحدقان به من الجانب الآخر للقبر.
في البداية بدا صوته غريبا على أذنيه، لكن عندما وصل إلى كلمات المزمور تمكنت منه الكلمات فنطقها بهدوء وثقة من يعرفها عن ظهر قلب. «يا رب من جيل إلى جيل كنت معينا لنا. من قبل أن تولد الجبال وتنشأ الأرض وساكنوها، من الأزل إلى الأبد أنت الله. تعيد الإنسان إلى الغبار وتقول: «عودوا يا بني آدم.» ألف سنة في عينيك كيوم أمس الذي عبر، أو كهنيهة من الليل.»
ثم وصل إلى كلمات الدفن. وبينما نطق بالجملة: «من التراب إلى التراب ومن الرماد إلى الرماد ومن الغبار إلى الغبار؛ على رجاء القيامة إلى الحياة الأبدية بالمسيح يسوع ربنا.» جلست جوليان القرفصاء وألقت بحفنة من التراب في القبر. بعد لحظة من التردد فعلت ميريام الشيء نفسه. كان يصعب على جوليان بجسدها المنتفخ ثقيل الحركة أن تجلس القرفصاء فمدت ميريام يدها لتسندها. حينها وردت على ذهن ثيو، لا إراديا ودون رغبة منه، صورة لحيوان يقضى حاجته. كره نفسه لذلك وصرفها عن ذهنه. عندما بدأ بتلاوة كلمات صلاة الشكر، انضم إليه صوت جوليان. بعد أن انتهى أغلق كتاب الصلوات. كان رولف لا يزال ساكنا صامتا.
فجأة وبحركة مباغتة حادة، دار على عقبيه وقال: «الليلة سيكون علينا أن نستولي على سيارة أخرى. أما الآن فسأخلد إلى النوم. من الأفضل أن تفعلوا نفس الشيء.» لكن قبل ذلك، توجهوا إلى سور الشجيرات وأخذوا يملئون أفواههم بالتوت البري الذي لطخ أيديهم وشفاههم باللون الأرجواني. كانت الشجيرات التي لم تقطف ثمارها عامرة بثمار التوت البري الناضجة، التي تفجرت حلاوتها في أفواههم. تعجب ثيو من قدرة رولف على مقاومتها. أم أنه أكل منها ملء بطنه هذا الصباح؟ أعادت إليه حبات التوت، ذات العصارة اللذيذة للغاية التي تفجرت في فمه، الأمل والقوة.
ثم بعد أن سد جوعهم وروي عطشهم نوعا ما، عادوا إلى الدغل وإلى جذع الشجرة الساقطة نفسه الذي بدا أنه كان يمنحهم على الأقل الطمأنينة النفسية التي يبعثها في النفس المخبأ. استلقت المرأتان متجاورتين ولفتا معطف لوك، الذي جفت عليه الدماء، حول جسديهما. وتمدد ثيو عند قدميهما. كان رولف قد اختار لنفسه بالفعل مضجعا على الجانب الآخر من جذع الشجرة. كانت الأرض، التي تجمعت فوقها أوراق الشجر الذابلة التي تساقطت على مر العقود، طرية، لكن حتى لو كانت صلبة كالحديد، كان ثيو سيستغرق في النوم فوقها.
الفصل التاسع والعشرون
استيقظ ثيو في المساء الباكر ليجد جوليان تقف بجواره. قالت: «لقد غادر رولف.»
على الفور استفاق. «هل أنت متأكدة؟» «أجل متأكدة.»
অজানা পৃষ্ঠা