كانت العجلتان الأماميتان قد قاربتا حافة الماء عندما صاح: «الآن!» فدفعاها معا بأقصى ما بوسعهما من قوة. سقطت السيارة عن حافة البحيرة وارتطمت بالماء محدثة صوتا بدا كأنه أيقظ جميع طيور الغابة. فقد عج الهواء بالنداءات والصيحات واهتزت الأغصان الخفيفة للأشجار المرتفعة وكأن الحياة دبت بها. تطاير الرذاذ لأعلى فتناثر على وجهه. تمزق غطاء الأوراق الطافية على سطح الماء وتراقص. راقبا، وهما يلهثان، السيارة بينما استقرت في الماء وبدأت ببطء وهدوء تغرق ويدخل الماء خلال نوافذها المفتوحة. قبل أن تختفي، ودون تفكير، أخرج ثيو دفتر يومياته من جيبه وألقاه في البحيرة.
وبعد ذلك، ألمت به لحظة مريعة من الهلع، كانت تفاصيلها في خياله واضحة كالكابوس، لكنه كان كابوسا لا يمكن أن يأمل أن ينتهي بمجرد استيقاظه. تخيل أن ثلاثتهم محاصرون في السيارة الغارقة، والماء يتدفق إلى داخلها، وكان يبحث باستماتة عن مقبض الباب، بينما يحاول أن يحبس أنفاسه رغم الألم المبرح الذي كان يتأجج في صدره، يريد أن ينادي جوليان لكنه يعلم أنه لا يجرؤ على الكلام وإلا امتلأ فمه بالوحل. كانت هي وميريام في المقعد الخلفي تغرقان، ولم يكن بيده أن يفعل أي شيء لمساعدتهما. سال العرق من جبينه، وأطبق راحتيه المتعرقتين، وأبعد عينيه عن البحيرة وهول ما تخيل ونظر لأعلى إلى السماء، منتشلا عقله من هول خياله إلى هول الواقع. كان قرص الشمس باهتا ومستديرا كبدر يتوهج نوره وسط هالة من الضباب، وبدت أغصان الأشجار العالية سوداء في ضيائها المبهر. أغمض عينيه وانتظر ريثما ذهب عنه الخوف واستطاع أن يعود بناظريه إلى صفحة البحيرة.
نظر إلى جوليان وميريام متوقعا أن يرى على وجهيهما الهلع البين نفسه الذي لا بد أنه ارتسم على وجهه للحظة. لكنهما كانتا تنظران إلى السيارة الغارقة، وتراقبان بهدوء وباهتمام، يكاد يكون لا مباليا، تجمعات أوراق الشجر وهي تعلو وتهبط في تجعيدات الماء التي تنتشر، وكأنما تتدافع لتفسح مكانا. تعجب من هدوئهما، وقدرتهما الواضحة على تجاهل جميع الذكريات، وجميع الأهوال في خضم استغراقهما في اللحظة الحالية.
قال بصوت غليظ: «لوك. لم تتحدثا عنه مطلقا في السيارة. لم يرد اسمه على لسان أي منكما منذ أن واريناه الثرى. هل تفكران فيه؟» كان للسؤال وقع الاتهام.
رفعت ميريام عينيها عن البحيرة ونظرت إليه نظرة ثابتة. «نفكر فيه بقدر ما نجرؤ على ذلك. ما يهمنا الآن هو أن يولد طفله بأمان.»
دنت منه جوليان ولامست ذراعه. قالت، كأنما كان هو أكثر من يحتاج إلى الطمأنة: «سيحين وقت للحزن على لوك وجاسكوين. سيحين الوقت يا ثيو.»
غمر الماء السيارة وأخفاها عن الأنظار. كان يخشى أن يكون الماء عند حافة البركة ضحلا فيظهر سطح السيارة ولو من تحت القش، لكن عندما نظر للظلام القاتم بالأسفل، لم ير سوى دوامات الوحل.
قالت ميريام: «هل معك أدوات المائدة؟» «لا، أليست معك؟» «سحقا، لقد تركناها في مقدمة السيارة. لكن هذا لا يهم الآن. فلم يتبق معنا أي طعام لنأكله.»
قال: «من الأفضل أن نأخذ ما معنا إلى سقيفة الحطب. هي تبعد حوالي مائة ياردة على الجانب الأيمن من ذلك الطريق.»
صلى للرب في سره أن تكون لا تزال موجودة. كانت تلك هي المرة الأولى التي يصلي فيها منذ أربعين سنة، لكن كلماته لم تكن توسلا بقدر ما كانت أملا غيبيا بأن يستطيع، بطريقة ما، عن طريق شدة احتياجه، أن يوجد السقيفة. حمل على كتفه إحدى الوسائد ومعطفي المطر ثم التقط الغلاية المملوءة بالماء في يد وحقيبة السفر في اليد الأخرى. لفت جوليان بطانية ثانية على كتفيها وانحنت لتلتقط الإناء المملوء بالماء لكن ميريام أخذته من يدها وقالت: «احملي الوسادة. وأنا سأتولى حمل باقي الأغراض.»
অজানা পৃষ্ঠা