وفي تأخيره لهذا المعنى الشهادةُ لهذا المعنى بأنّه موجب لتأخير المقام؛ فإن كان أُخّر قبل الإسلام فقد أقرّه النبي ﵌، وإن كان النبي ﵌ هو الذي أخّره فالأمر أوضح، وإن كان عمر هو الذي أخّره فإنّما عمِلَ بدلالة القرآن كما مرّ، وكأنّ الضيق إنّما تحقّق في عهده حين كثر المسلمون، ومع دلالة القرآن عملُ الخليفةِ الراشد، وإجماع الصحابة فمن بعدهم، ودلالة القرآن مستغنية بنفسها. وهذا المعنى الذي اقتضى تأخيره إذ ذاك قائم الآن، فاقتضاؤه للتأخير الآن بغاية الوضوح. فأمّا ما رُوي (^١) أنّ السيلَ احتمله في عهد عمر، فتحرّى عمر إعادته في مكانه، فكأنّ عمر لمّا أخّره قبل ذلك تحرّى أن يبقى مع تأخيره مُسامتًا (^٢) للموضع الذي كان يليه من جدار الكعبة لا يميل عنه يَمْنةً ولا يسرةً؛ لأنّ المعنى المذكور إنما أوجب التأخير فاقتضى .... (^٣)، فلمّا احتمله السيلُ بعد ذلك تحرّى عمر إعادته إلى مكانه لأجل المسامتة. وعلى القول بأنّه أُخِّر قبل عمر فتحرِّيه إعادته إلى مكانه قد تكون لما ذُكِر، وقد تكون لأنّه لم يكن يرى إذ ذاك داعيًا (^٤) لتحويله؛ لأنّه لم يكن قد حصل به التضييق. وعلى ما ذكر فإذا أُخِّر الآن فينبغي أن لا يخرج به عن مسامتة الموضع الذي يُسامِته الآن من الكعبة لا عن يَمْنة ولا يَسْرة. فأمّا ما اشتهر أنّ موضعه الأول كان في الحفرة المحدثة إلى جانب

(^١) أخرجه الأزرقي في "أخبار مكة" (٢/ ٣٥). (^٢) في الأصل كلمة غير واضحة. وهكذا قدرتها. (^٣) كلمتان إحداهما لم أتبينها والأخرى لم تظهر في التصوير. (^٤) في الأصل: "داع".