يرى أن العقل المتدين عليه أن يتنحى للنص تماما، ويتلقى منه الألفاظ التي يوردها، بغير أن يكون له دور سوى دور المستمع. النص يملي على العقل تلك الألفاظ، وهو ليس إلا وعاءا خاليا تماما، يستلم ألفاظا يجب عليه فهم المعنى اللفظي من أفراد الكلمات؛ لأن العقل وفق هذا التصور لا يستطيع أن يدرك من الواقع الخارجي ما له علاقة بالله تعالى أو ما كان يتعلق بمصلحة ومفسدة تشريعية. فالله قادر، لأن القرآن قال: إنه قادر. والله تعالى عالم، لأن القرآن قال:إنه عالم. أردد هذه الألفاظ دون أن يكون لي الحق أو القدرة على تعقل المراد منها، ومع ذلك فعلي أن أفهمها. هذا الأمر مضر وقبيح لأن النص قال بذلك، وليس للعقل أي قدرة على تقييم الأمر. بل الأمر أكثر من هذا؛ فالنص هنا يفرض على العقل معلومات لا يقبلها العقل، ولكن أصحاب هذا المنهج يقسرون العقل على قبولها مهما كان الأمر. يمكن إيضاح الفرق بين المنهجين بالنظر إلى طريقتهما في أمرين مهمين: معرفة الله، وشمولية الدين. حسب المنهج الأول فالنص عندما ينفي الشريك عنه تعالى، فإن النص يقرر، ويؤكد، معنى يمكن للعقل أن يقبله، ويدرك أنه يتوافق وكمال الله؛ لأن العقل يستطيع إدراك ما هو كمال لله. حسب المنهج الثاني فإن النص يملي على العقل هذا المعنى، فلا يمكنه أن يحكم عليه ببطلان أو صحة، إلا من حيث صدق المصدر أو كذبه؛ بمعنى أن العقل لا يمكنه أن يحلل هذه القضية، فيحكم من خلال تحليله إياها أنها صحيحة، بل ما يعمله العقل هنا هو أنه يؤمن بصدق مصدر هذا الخبر فيصدقه، فلا يمكن أن يقول: إنه يتوافق وإياه، أو يختلف معه. على ضوء ذلك فإنه وفق المنهج الثاني؛ لو أثبت النص شريكا لله تعالى فإنه سيقبله لأن دوره دور المتلقي لا غير. أما حسب المنهج الأول فلو أثبت النص شريكا لله تعالى لنفى العقل صحته، لأن دوره دور المثار المتفكر. في المنهج الأول يكون العقل مستكشفا لكمالات الله، ويكون النص كاشفا لتلك الكمالات، ويتعاونا معا من خلال عملية الكشف والاستكشاف. في المنهج الثاني يكون النص هو الكاشف عن الواقع، ويكون العقل متلقيا لهذا الواقع، بغير أن يكون له دور في استكشافه. صفات الله تعالى في المنهج الثاني تؤخذ من النص، وصفات الله تعالى في المنهج الأول يكون مصدرها ما ندركه من كمالات الله تعالى، والكاشف عنه النص والعقل معا؛ إلا أن السابق في ذلك هو العقل: زمنيا لأن العقل قبل النص، ورتبة لأن النص أي نص لا يفهم إلا من خلال الاستناد إلى فهم مسبق للواقع. وفيما يتعلق بالعلم بالله فهذا الفهم المسبق ليس مصدره إلا العقل كما ذكرت.
صفحة ٥٣