د. يضاف إلى ما سبق، ضرورة سلب حق تحديد شكل هذه الممارسات إلى أي بشر، حيث إن ذلك يعطيهم قدرة هائلة على السيطرة على الناس، وإخضاعهم لأهوائهم. إذن خروج الممارسات العبادية المحضة عن مجال فعل العقل، لم يكن من حيث إنه لا يعقل قيمتها، أو أهميتها، ولكن من حيث إن أي شكل من أشكالها يحقق الغرض منها، في حين أن إحالة أمرها إلى العقل سيؤدي إلى مشكلات مختلفة، فإذا كان الأمر كذلك، فليكن اختيار الله تعالى لنا هو الشكل الذي نعمل عليه، ونتقيد به. في المجالات الأخرى من مجالات حياتنا الفردية، والاجتماعية في مختلف أبعادهما، فإن الأنبياء هنا يؤكدون ما ارتكز من قضايا العقل جملة وتفصيلا، أو يثيرونه ليستكشف أبعادا أخرى. وقلما يؤسسون شيئا في هذا المجال، وإن وجد فهو في قضايا فرعية لا تعتمد الحياة عليها. أما القضايا الكبرى، والتي ترتكز حركة المجتمع عليها، فهي قضايا عقلية، يأتي الدين ليثيرها، ويبرزها إلى الأمام، ثم يحميها، ويهب لها القداسة، ويعد من تقيد بها بالثواب، ويتوعد من تعدى عليها بالعقاب.
صفحة ٥١