لقد نتج عن هذا نفي شفافية الأسباب، وعزلها عن التأثير وقطع ما بينها وبين نتائجها من روابط وشيجة. لقد أصبح المسلم يطلب السبب ولكنه لا يتوقع يقينا النتيجة في حين أن كل شيء يمكن فعله عبر أكثر من طريق، وكل طريق مكون من مجموعة من الأسباب، فلو عرفت الطرق المتعددة وتم اختيار أحدها ومن ثم حصرت الأسباب للطريق المختار، وكان للفعل ظروفه الملائمة، وتم رعاية العقبات والموانع والأفعال التي لا يمكن السيطرة عليها، سواء كانت أفعالا إنسانية أو طبيعية...إلخ، فإنه لابد من أن تثمر نتائج بشكل حتمي. فإذا لم يتحقق ما نريده فمعنا ذلك أننا لم نقم بما يجب القيام به، أو لم يتتوفر لنا الظروف الملائمة أو تدخلت أطراف أخرى بشكل غير مناسب...إلخ. بمعنى آخر أننا نقف على حافة وتقف النتائج التي نريدها على حافة أخرى، ولابد لنا من أن نبني جسرا بيننا وبين النتائج التي نريدها، وشكل الجسر يختلف باختلاف الظروف التي نحن فيها،ولكن لابد من التجسير. عدم تحقيق النتائج يعني أن بناء الجسر لم يكتمل لسبب أو لآخر، وعندما نستعين بالله فعلينا أن نستعين به على إكمال الجسر، وليس على القفز من حافة إلى أخرى، وعندما نطلب منه تعالى أن لا يخذلنا وأن لا يقف بيننا وبين ما نرومه فإننا نطلب منه أن لا يمنعنا من إكمال الجسر، وكما يمكن أن نتصور أن يمنعنا فرد من الناس في عمل ما، وكما يمكن أن نتصور أن يعيننا شخص ما على أمر ما، كل ذلك بدون أن يعني أننا مجبرون، أو أنهم خلقوا أفعالهم، فلله تعالى طرقه في التدخل بدون أن يكون هو الخالق لأفعالنا والمجبر عليها. إن نفي خلق أفعال العباد هو نفي للجبر، وليس نفي لتدخل الله تعالى في أفعالنا تأييدا أو منعا.
صفحة ٣٨