4. إن التجربة ثرية بالدروس التي يمكن أن نستفيد منها اليوم: تقدم التجربة السياسية دروسا في إنتاج رجال دولة، وفي كيفية تطبيق العدل، وإعمال الشريعة. وتؤكد لنا التجربة حقيقة أنه أي فكرة مهما كملت فإن القائمين عليها بشر، ولا بد أن يعتري تنزيلها ما يعتري البشر من النقص. وضع هذه الحقيقة يؤدي بنا إلى الاهتمام بوضع أنظمة تغطي ذلك النقص، والذي أدى في كثير من الأحوال إلى عدم استمرارية تلك التجربة. إن التجربة السياسية للزيدية جزء من تاريخ الأمة الإسلامية، وليس من تاريخ الزيدية فحسب. بل هي جزء من تاريخ جميع الحركات التي اتفقت معها في أهدافها السياسية، مهما كان دينها أو مذهبها . ومما يحسن ذكره هنا أن كلمة "زيدية" في أول أمرها لم يكن لها دلالة مذهبية أو فكرية بقدر دلالتها السياسية. فقد كانت تشير إلى كل من اتفق مع الإمام زيد بن علي 122ه في دعوته الإصلاحية إلى دفع الظالمين، ونصر المستضعفين، ورعاية المال، والحق العام، والحريات السياسية. فكان من وافقه في تلك يسمى زيديا، وإن اختلف مع الإمام في رؤيته الفكرية أو الفقهية. إن هذا التاريخ هو لتجربة إنسانية إسلامية تمثلت في مرحلة ما ضمن فئة من المسلمين، ويجب أن تخرج من إطارها الديني والمذهبي؛ لتكون ملكا لجميع الأمة والإنسانية؛ فالقيم السياسية الأساسية لا تختص بدين، ولا مذهب، ولا حدود؛ فالأمن والعدل والعلم والرفاه وهي من القيم السياسية الأساسية أمور مطلقة عن كل قيد، فلا يوجد عدل سني، وآخر شيعي، ولا يوجد فقر على الطريقة الإسلامية وآخر على الطريقة الكفرية، ولا يوجد جهل عربي وآخر عجمي، وبالتالي فأي حركة كان شعارها الأبرز تحقيق تلك القيم ملك للناس جميعا باختلاف أفكارهم وأصولهم العرقية أو القومية، وأما الشعارات الفرعية لتلك الحركة، فالغالب أن لا يتفق عليها الناس، وهذا أمر طبيعي، ولا يضر أصل القضية في شيء.
صفحة ١١