[سورة البقرة (٢): آية ٣٥]
وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)
قوله تعالى: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ، زوجه: حواء، قال الفراء: أهل الحجاز يقولون لامرأة الرجل: زوج، ويجمعونها: الأزواج، وتميم وكثير من قيس وأهل نجد يقولون: زوجة، ويجمعونها: زوجات. قال الشاعر:
فان الذي يسعى يحرّش زوجتي ... كماشٍ إِلى أسد الشرى يستبيلها «١»
وأنشدني أبو الجراح:
يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم ... أن ليس وصل اذا انحلت عرى الذنب
وفي الجنة التي أسكنها آدم قولان: أحدهما: جنة عدن. والثاني: جنة الخلد.
والرغد: الرزق الواسع الكثير، يقال: أرغد فلان: إذا صار في خصب وسعة.
قوله تعالى: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ أي: بالأكل لا بالدُّنو منها. وفي الشجرة ستة أقوال:
أحدها: أنها السنبلة، وهو قول ابن عباس، وعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وقتادة، وعطية العوفي، ومحارب بن دثار، ومقاتل. والثاني: أنها الكرم، روي عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وجعدة بن هبيرة. والثالث: أنها التين، روي عن الحسن، وعطاء بن أبي رباح، وابن جريج. والرابع: أنها شجرة يقال لها: شجرة العلم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والخامس:
أنها شجرة الكافور، نقل عن علي بن أبي طالب. والسادس: أنها النخلة، روي عن أبي مالك. وقد ذكروا وجهًا سابعًا عن وهب بن منبه أنّه قال: هي شجرة يقال لها شجرة الخلد، وهذا لا يعدّ وجها لأن الله تعالى سمّاها شجرة الخلد وإنما الكلام في جنسها.
قوله تعالى: فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ. قال ابن الأنباري: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ويقال: ظلم الرجل سقاءه اذا سقاه قبل أن يخرج زبده. قال الشاعر:
وصاحب صدق لم تربني شكاته ... ظلمت وفي ظلمي له عامدًا أجرُ
أراد بالصاحب: وطب اللبن، وظلمه إِياه: أن يسقيه قبل أن يخرج زبده.
والعرب تقول: هو أظلم من حية، لأنها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه، ويقال: قد ظلم الماء الوادي: إذا وصل منه إِلى مكان لم يكن يصل إليه فيما مضى.
فان قيل: ما وجه الحكمة في تخصيص تلك الشجرة بالنهي؟ فالجواب: أنه ابتلاء من الله تعالى بما أراد. وقال أبو العالية «٢»: كان لها ثفل «٣» من بين أشجار الجنة، فلما أكل منها، قيل: أخرج إلى
_________
(١) في «اللسان» يستبيلها: يأخذ بولها في يده. والبيت للفرزدق.
(٢) أبو العالية: هو رفيع بن مهران الرياحي بكسر الراء والتحتانية، قال ابن حجر في «التقريب»: ثقة كثير الإرسال، من الطبقة الثانية، توفي سنة ٩٠ هـ وقيل ٩٣ وقيل بعد ذلك. روى له الجماعة.
(٣) في «اللسان»: ثفل كل شيء: ما استقر تحته من كدرة.
1 / 55