وجعل فخر الدولة يتابع الحمول إليه من طبرستان زيادة في تأثيل «8» حاله، واستبقاء لنظم جنوده ورجاله، فعل من لا ينفس على أخيه، بنفائس ما يحويه، ولا يضن «9» على صديقه، بجليل ملكه ودقيقه. وقد كان الصاحب «10» يستسرف «11» ما يوجبه له من الإحسان والمواساة، ومواصلة الصلات والكرامات، ومن قبل ما نصح «1» له في استعراض خراسان برجاله، مخالفة لسلفه فيما اختاروه من مسالمتها، واغتنام السلامة منها، فقال له ذات يوم: إن حقوق أبي العباس علي حقوق لو نزلت معها عن جميع ما أفاء الله علي من ثمرات هذا [40 أ] الملك حتى أحل له عروة هذا القميص، لوجدتني في أدنى درجات المكافأة، وأيسر مراتب المبرات «2». وأشار إلى واحدة تكفيه أمارة على ما أوجبه له أيام مقامه قبله اشفاقا على مهجته، وحرصا على محبته، وذبا عنه في حال غربته، وهي إن أخويه عضد الدولة ومؤيدها أرسلا إليه يستردانه «3» على أموال عظيمة تحمل إلى خراسان في كل سنة للسلطان أولا، وله ثانيا، مشفوعة بمجلوبات العراق، من وشي الثياب، وفره العتاق. وأغليا في الاستيام والتطميع، حتى لم يبق للرد مجال، ولا للسان العذر مقال. وأتاني خبر الرسالة فاستظلمت ضوء النهار، واستخشنت جانب القرار، وقمت من الحياة على شفا جرف هار، إذ لم يكن في الهرب مطمع، ولا في قوس الرجاء منزع.
صفحة ٧٩