363

وقد كان ابن فولاذ فخم «9» في دولة آل بويه أمره، وارتفع قدره، وانتشر صيته وذكره. والتفت عليه صناديد الديلم، ومشاهير الأكراد والعرب، فسأل مجد الدولة والكافلة بالتدبير أن ينزلا له عن قزوين طعمة له ولمن معه، ليتفرد بولايتها وجبايتها، ركنا من أركان دولتهما. وظهرا من ظهور حوزتهما، يذب عنهما بسيفه وسنانه متى دهاهما خطب، أو دخن على نارهما حطب رطب. فضنا [206 أ] عليه بها لضيق رقعة الملك، وبكوء درة الدخل «1». وأدليا إليه بظاهر العذر؛ فقصد «2» أطراف الري على جملة العصيان، يفسد ويغير، ويقطع دون أهلها سبيل من يمير. وملك عليهما ما يلي جانبه من قرى وضياع، وريع وارتفاع، إلى أن استعانا بالاصبهبذ المقيم بفريم؛ فأتاهما في رجراجة «3» فخمة من الجيلية، أولي البأس والحمية، فناوشوه القراع، وصدقوه المصاع. وجرت بينهما في دفعات ملاحم استلحمت كثيرا من الفريقين. وأصاب ابن «4» فولاذ في ساقه نشابة أثخنته، فولى فيمن معه «5» إلى سمت الدامغان، حتى ألم بها؛ [فضم النشر] «6»، ورم الرث، وعالج المرتث، وكتب إلى فلك المعالي منوچهر يستمده على عسكر الري، على أن يقيم له الخطبة، ويظهر الطاعة، ويلتزم الإتاوة، فأمده بألفي رجل يوزن آحادهم بآلاف، وأفرادهم بأضعاف، يرون الشرف فرضا لمن مات تحت المشرفيات «7»، والتثريب حقا على من حاد عن اليثربيات «8». ووصل جناحهم «9» بمال قضى به حق انقطاعه إليه، واعتماده عن «10» ظهر الثقة «11» عليه. ونهض نحو الري حتى أناخ بظاهرها، فأعاد الإغارة، ومنع المائرة والمارة. [206 ب] وغادر «1» الديلم في ضنكة البلاء، وضيقة اللأواء «2»، حتى اضطر مجد الدولة، ومن وليت التدبير إلى إيثاره بأصبهان «3»؛ فعقد له عليها، وخلي بينه وبينها، استمالة لقلبه، واستعاذة من شره. فطارت عند ذلك نعرة الخلاف عن رأسه، ورحلت وحرة العناد من صدره. وأقبل يروض عسكره على رشاد وسداد، ويغل أيديهم دون امتداد إلى فساد. وصرف عسكر الأمير منوچهر وراءهم يذكر «4» صلاح حاله، واستغناءه عن رجاله. وعطف إلى أصبهان خاطبا لمجد الدولة على منابرها وذلك في سنة سبع وأربعمائة.

وكان نصر بن الحسن بن فيروزان قد انقطع إلى السلطان يمين الدولة وأمين الملة، وأقام على خدمته، إلى أن جعل ناحية بيار وجومند باسمه «5» ورسمه؛ فنهض إليها، وأقام بها يستغلها، ويتوفر عليه دخلها، إلى أن دعاه مجد الدولة من الري، فاعتسف البيد إليها إشفاقا من عسكر شمس المعالي قابوس ومكائده، وعيون رباياه «6» ومراصده. فلما وصل إليها، عرف له حق قرابته، وقوبل بما اقتضاه حكم طاعته واستجابته، فبقي هناك سنين مرجوعا إليه في الرأي والتدبير، [207 أ] وموثوقا «7» به في التقديم والتأخير، إلى أن عثر منه على ممالأة لبعض المخالفين، فقبض عليه وحبسه في قلعة أستوناوند. وما زال بها محصورا، وفي مخلب الامتحان مأسورا، حتى عفي عما جناه، ورد ثانيا إلى ما تولاه.

صفحة ٣٧٩