وحدثني أحمد الخوارزمي، وكان من جملة خاصته، مندوبا لحمل رسوم كل عام [20 أ] إلى بيت الله الحرام ومجاوريه، وسكان مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفريقها فيهم ووضعها مواضعها منهم، قال: دخلت عليه «4» ذات يوم منحدري من خراسان، فسألني على رسمه عن حال ذلك الشيخ «5» في سلامته واستقامة الأمور في ضمن كفايته «6»، ثم قال: هات ما استدعاه، واعرض علي ما بدا له وتوخاه، فعرضت تذكرة كان سلمها إلي بتفصيل ما رسم لي حمله من ديار العراق، ومن «7» جملتها ألف ثوب مستعملة «8» مطرزة «9» الأطراف «10»، باسم الأمير السيد الملك المؤيد، المنصور ولي النعم أبي القاسم نوح بن منصور، مولى أمير المؤمنين، وخمسمائة مطرزة باسم الشيخ السيد أبي الحسين عبد الله «11» بن أحمد، ومثلها معلمة باسم الحاجب الجليل أبي العباس تاش «12». فلما تأمل «13» النسخة، دخلته نخوة الملك، وملكته حمية العز، وطار به الغضب كل مطار، فألقى إلي في الجواب، أن ابن العتبي لو اغتنم سلامة ما يليه، وتفرد بالتدبير فيه، لكان أولى به، وأعود عليه وعلى صاحبه، مما يسومني بهذا الاحتكام وأمثاله، غير أني أجعل سواحل جيحون «1» قبل عودك من وجهك [20 ب] مرابط للجحافل، ومراكز للقنا «2» والقنابل «3»، فقمت من مكاني متخاذل القوى تخوفا من سطوته وبأسه «4»، وأخذت أجر رجلي على الأرض تهيبا وارتياعا إلى أن أركبت على الرسم وانصرفت إلى المناخ.
فلما أزف ارتحال الحجيج، أتاني رسوله، فبادرت إليه، وأحسنت خدمة المجلس بين يديه، فزادني على المعهود بشرا خصيبا، وبرا وترحيبا، وقال: قد أمرنا في معنى تلك التذكرة بما استدعاه ذلك الشيخ كراهة لاستيحاشه، وخلافا على خلاف وفاقه، فتنجز العمل به ليوافق عودك فراغ الصناع منه، وحصول المراد به.
قال «5»: فاستعملت ذلك كله من الطرز المذكورة، وحملتها في صحبتي إلى بخارى مشفوعة «6» بسائر ما رسم لي تحصيله وتنجزه.
صفحة ٤٠