فلما اضطرب الفريقان، والتقت حلقتا البطان «8»، حمل الأمير الماضى من قلب عسكره حملة كشفتهم عن مقامهم، وأغصت شوارع البلد بزحامهم «9». ودارك عليهم الحملات من كل أوب «10»، حتى جلوا عنها مفلولين، وتفرقوا في متون «11» الهضاب «12»، وبطون [12 ب] الأودية «13» والشعاب مخذولين، واستقر طغان بها شاكرا إحسانه، وموجبا تحقيق ما أوجب عليه ضمانه، وبذل به رهنه ولسانه، وهو يتميل «1» في ذلك سرا بين وعد وإخلاف، ويترجح بين وفاق وخلاف، حتى إذا حان حين الأداء، طالبه الأمير «2» بالوفاء، وأغلظ عليه في الاقتضاء، لما رآه من فرط الإباء والالتواء، وهما «3» على صحراء غاصة بغلمانهما وأتباعهما «4»، فحدثته عجرفية الطبع بالمنع، ولم يرض بالقول، حتى انتضى سيفه وضرب يد الأمير ضربة أوسعت جرحها، فلما تبين غدره، ضرب بيده إلى سيفه، وهي تشخب «5» دما، فضرب منكبه «6» ضربة انتصفت له منه «7»، وطلبه بأخرى، فحجزه عنها اختلاط الفريقين، وأهاب الأمير إلى رفقائه، وغلمان داره بطرد الغواة وحطمهم، وتبييض تلك النواحي من سوادهم، [وتحمير تلك التربة من دماء أجسادهم] «8»، فلم يبلغ النهار إلا وبست له صافية، وأطرافها عن ذوي الخلاف خالية، وبشعار دولته حالية، وامتد پايتوز وطغان، إلى نواحي كرمان «9» وسجستان، ولم يحلم أحد منهما بأن يلتفت وراءه، فضلا عن أن يتمنى لقاءه.
صفحة ٢٥