157

ولم نرض بالمقدور فيهم فأمنا ... بكل كسير في الورى وعويره ولما أحس الأمير سيف الدولة بصورة الحال في تناقض الآراء، وتخاذل التدابير «1» والأهواء، وإشراف الملك على الضياع، بمداهنة النصحاء، واعتيامهم «2» صلاح أنفسهم في وجوه المقاصد والأنحاء، عدل إلى نيسابور على ما كان يليه من جماهير أوليائه ومواليه. وحين سمع بكتوزون بإقباله، تزحزح عن نيسابور قصيا، إبقاء على عدته وعتاده، وإشفاقا على عدد رجاله وأجناده. وكتب إلى الأمير أبي الحارث بفصوله عن مكانه أخذا بالوثيقة، ومحاماة على الحقيقة، واحتراسا من غرة اللقاء قبل اختمار العزيمة والرأي، فحملته سكرة الحداثة، ونزقة الصبا والغرارة، وقلة النظر في العواقب، وعدم الحظ من التجارب، على الإغذاذ «3» إلى خراسان فيمن أنهضه الإمكان بالمساعدة من وجوه خاصته وسائر «4» حاشيته. وسار إلى سرخس كالسهم صادرا عن وتره، والسيل سائرا [89 ب] إلى منحدره. فعلم الأمير سيف الدولة أن قصده إياه من نتائج التغرير، وفائل «5» الرأي والتدبير، ومهانة الناصح والمشير، إذ لم يكن في منة «6» القوم مقاواته على شده بأسه، وملاقاته على قوة مراسه، إذ لو قذفهم ببعض رجومه لغادرهم رمادا تذروه العواصف، وتقتسمه الشمائل والجنائب، لكنه «7» رأى أن يغضي جفن الاحترام، ويحمي ستر الاحتشام، ويرعى سابق الحق والذمام؛ فخالف طريقه إلى مرو الروذ مفرجا له عن نيسابور، إلى أن يتمكن من ارتجاعها ببينة تشترك في معرفتها القاصية «8» والدانية، وحجة على مناوئيه ومخالفيه تتصورها الحاضرة والبادية. وعطف إلى قنطرة زاغول «9» فخيم بها مراعيا لما يسفر عنه التدبير، وينكشف عن حقيقته الضمير.

صفحة ١٦٥