وأما أبو علي، فأخطأ الطريق، وحرم التوفيق، فصار مثقلا بما اجترحه من العصيان، خجلا لما فاته من فرصة البر والإحسان، قد كحلته يد القدر، بمرود الحيرة والسدر «1»، وعمت عليه غياهب القضاء مذاهب الفضاء، فهو يخبط خبط عشواء، مستبسلا للمقدور، مستسلما لطوارق المحذور. أنشدني أبو حاتم الحنفي المذكر في مثل حاله لبعضهم:
إذا أراد الله أمرا بامرى ء ... وكان ذا رأي وعقل وبصر
وحيلة يعملها في كل ما ... يأتي به مكروه أسباب القدر
أغراه بالجهل وأعمى عينه ... وسله من «2» عقله سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكمه ... رد عليه «3» عقله [66 ب] ليعتبر
نعم، ومر أبو علي قدما على سمت الجرجانية إلى أن بلغ المسير به هزار اسف «4»، وهي بلد «5» يقابل بلد خوارزم من الجانب الغربي، فأرسل إليه خوارزمشاه من أقام له نزلا، وقدم إليه عذرا، ووعده العبور إليه غدا لمشاهدته، وقضاء حق وفادته. وقد كمن له زهاء ألفي رجل من أفناء «6» عسكره في خمر الغياض والآجام لاغتياله جنح الظلام.
صفحة ١٢٧