[17]
أيام عبد الملك بن مروان
وكان يكتب لعبد الملك قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو الخزاعي، ويكنى: أبا إسحاق، وكان خاصا به، وبلغ من لطافة محله منه أن كان يقرأ الكتب الواردة على عبد الملك قبل أن يقرأها عبد الملك.
وكان مروان بن الحكم قد عهد إلى أبنه عبد العزيز بعد عبد الملك، فهم عبد الملك، لما تمكن واستقام أمره بخلعه والعهد لابنيه: الوليد وسليمان، فنهاه عن ذلك قبيصة بن ذؤيب، وقال له: لعل الموت يأتي عليه فيستريح منه، فقلده مصر. فورد الكتاب في جمادي الأولى سنة خمس وثمانين بوفاته، فقرأ قبيصة الكتاب قبل عبد الملك، على عادته في أمثاله، فعزاه بأخيه عبد العزيز. فولى عبد الملك ابنه عبد الله بن عبد الملك مصر، وعقد لابنيه الوليد وسليمان العهد بعده، وكتب إلى البلدان بذلك، فبايعوا.
وكان يكتب لعبد العزيز بن مروان يناس بن خمايا، من أهل الرها، وكان غالبا عليه، وبنى له عبد العزيز قصرا على باب الجامع بالفسطاط. فلما ورد عبد الملك خبر وفاة عبد العزيز وجه الضحاك بن عبد الرحمن إلى مصر، وقال: لتصر إلى يناس، كاتب عبد العزيز، فاقسم ماله بينك وبينه. قال الضحاك: فصرت إليه فقاسمته، فكان أكثر ما قاسمته عليه النحاس، الذي كان يعمل بأرض الروم، خلا الحلي والجوهر، فأنى لم أقاسمه عليهما، وقلت: أمير المؤمنين يقاسمك على هذا. وحملت جميعه إلى عبد الملك، فلما وضعته بين يديه، جعل يقلبه بقضيب كان في يده، فمر به عقد فأخذه، ثم قال ليناس: دونك هذا الحلي، فأخذه. فلما انصرفت قلت: لقد أحسن أمير المؤمنين في مقاسمتك، فقال لي: لحبة من ذلك العقد خير من جميع ما ترك.
وكان يكتب لعبد الملك على ديوان الرسائل أبو الزعيزعة مولاه، فقال له عبد الملك يوما: يا أبا الزعيزعة، هل اتخمت قط؟ قال: لا، قال: فكيف؟ قال: لأنا طبخنا أنضجنا، واذا مضغنا دققنا، ولا نكظ المعدة، ولا نخليها.
صفحة ٢٤