[2]
ممن في غير تلك الطبقة، فإذا وصل الرجل إلى الملك عرف بلبسته صناعته، والطبقة التي هو فيها.
فكان الكتاب جميعا في الحضر يلبسون لبستهم المعهودة، فإذا سافر الملك تزيوا بزي المقاتلة.
وكانت ملوك فارس جميعا تغلظ على من زور أو نقش خاتما على خاتم الملك، وتلحقه من العقوبة بأهل الجنايات العظائم.
وكانت ملوك فارس تسمي كتاب الرسائل تراجمة الملوك، وكانوا يقولون لهم: لا تحملكم الرغبة في تخفيف الكلام على حذف معانيه، وترك ترتيبه والإبلاغ فيه، وتوهين حججه.
وكان الرسم جاريا في أيام الفرس، أن يجتمع أحداث الكتاب ومن نشأ منهم بباب الملك، متعرضين للأعمال، فيأمر الملك رؤساء كتابه بامتحانهم، والتفتيش عن عقولهم، فمن رضي منهم عرض عليه اسمه، وأمر بملازمة الباب، ليستعان به، ثم أمر الملك بضمهم إلى العمال، وتصريفهم في الأعمال، وتنقلهم على قدر آثارهم وكفاياتهم من الحال إلى الحال، حتى ينتهي بكل واحد منهم إلى ما يستحقه من المنزلة. ولم يكن يهيأ لأحد، ممن عرفه الملك وعرض عليه اسمه، أن يتصرف مع أحد من الناس إلا عن أمر الملك وإذنه.
وكانت الملوك تقدم الكتاب، وتعرف فضل صناعة الكتابة، وتحظى أهلها، لما يجمعونه من فضل الرأي إلى الصناعة، وتقول: هم نظام الأمور، وكمال الملك، وبهاء السلطان، وهم الألسنة الناطقة عن الملوك، وخزان أموالهم، وأمناؤهم على رعيتهم وبلادهم.
وكان ملوك فارس إذا أنفذوا جيشا أنفذوا معه وجها من وجوه كتابهم، وأمروا صاحب الجيش ألا يحل ولا يرتحل إلا برأيه، يبغون بذلك فضل رأى الكتاب وحزمه. ثم يقول الملك للكاتب المندوب للنفوذ معه:
قد علمت أن الأساورة سباع الإنس، وأنه لا عقوبة عليهم إلا في خلع يد من طاعة، أو فشل عن لقاء، أو هرب عن عدو، وما سوى ذلك فلا لوم عليهم فيه، وعليك أعتمد في تدبير هذا الجيش. فينفذ الكاتب مدبرا له، فإذا احتاج إلى مكاتبة بإعذار أو إنذار، أو إخبار أو استخبار، كتب فيه عن صاحب الجيش.
صفحة ٢