[83]
وذكر أبو سهل الرازي القاضي عن منصور بن أبي مزاحم، قال:
كنت عند أبي عبيد الله، وحسن بن حسن عنده، وشريك حاضر، فقال أبو عبيد الله لشريك: حدثنا في النبيذ، فحدثه بحديث همام عن عمر ابن الخطاب فيه، فقال حسن: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق! فقال شريك: أجل، شغلك عنه جلوسك على الطنافس، في صدور المجالس، وعرفناه بسعينا فيه. فاستزاده أبو عبيد الله، فقال: لا أعرض الحديث للكذب.
وذكر عبد الأعلى بن عبد الله محمد بن صفوان الجمحي:
أنه حمل دينا في عسكر المهدي، قال: فركب المهدي يوما بين أبي عبيد الله وعمر بن بزيع، وأنا وراءه في موكبه على برذون قطوف، فقال المهدي:
ما أنسب بيت قالته العرب؟ فقال أبو عبيد الله: قول امرئ القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل
فقال المهدي: هذا أعرابي قح، فقال عمر بن بزيع، قول كثير:
أريد لأنسى ذكرها، فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
فقال المهدي: ما هذا بشيء، وماله أن ينسى ذكرها حتى تمثل له فقلت له:
حاجتك عندي يا أمير المؤمنين، فقال: ألحقني، فقلت: لإلحاق بي مع دابتي، فقال: احملوه على دابة، فقلت: هذا أول الفتح، وحملت عليها، فلحقته، فقال: ما عندك؟ فقلت: قول الأحوص:
إذا قلت إني مشتف بلقائها ... فحم التلاقي بيننا زادني سقما
فقال: أحسنت والله، اقضوا دينه.
وكان في صحابة المهدي رجل يعرف بالثقفي البصري، وكان أبو عبيد الله له مستثقلا، وكان محبا لأن يضع منه. فتكلم الثقفي يوما فلحن، فقال له أبو عبيد الله: أتجالس أمير المؤمنين بالملحون من الكلام؟ أما كان يجب عليك أن تقوم من لسانك! فقال له الثقفي: إنما يحتاج إلى استعمال الإعراب في جميع الكلام، يا أبا عبيد الله، المعلمون، لينفقوا عند من ألتمسهم لتعليم ولده، يعرض بأبي عبيد الله، لأنه كان معلما في أول أمره. فضحك المهدي حتى غطى وجهه.
صفحة ١٥٥