[81]
المنصور، ومهنئا بالخلافة، فتكلم بكلام كان قد أعده، أعجب الناس به واستحسنوه، فبلغه ذلك، فقال لشبيب بن شيبة: إني والله ما التفت إلى هؤلاء، ولكن سل أبا عبيد الله عما تكلمت به، فسأله شبيب، فقال له: ما أحسن ما تكلم! ولكنه لم يتعد بكلامه أن أخذ مواعظ الحسن، ورسائل غيلان، فلقح بينهما كلاما. فأخبر شبيب عبيد الله بذلك، فقال: لله أبوه! فو الله ما أخطأ حرفا، ولا تجاوزت ما قال.
قال ابن أبي سعيد الوراق: حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه: أن زفر بن عاصم عند تقلده المدينة أوفد إلى المهدي عبد الله بن مصعب الزبيري، وإبراهيم بن سعد الزهري، وسعيد بن سلم المجاشعي، فلما وصلوا إلى بابه قصدوا أبا عبيد الله وزيره، متوسلين به في إيصالهم، وذكر أمورهم للمهدي، فتجهمهم وأبى عليهم، وأغلظ القول لهم، وجبههم بالرد، وقال لهم: ما لكم عندنا شيء، فقال له عبد الله بن مصعب، وكان أحدث القوم سنا: إذا والله نكون كما قال خفاف بن ندبة السلمي:
إذا تلعات بطن الحشرج أمست ... جديبات المسارح والمراح
تهادى الريح إذ خرهن شهبا ... ونودي في المجالس بالقداح
وجدت لجارنا كرما وكنا ... سوى ظن اللئيم بمستراح
إذا ما أجدبوا حمدوا وأبدت ... لنا الضراء عن أدم صحاح
فاتصل خبرهم بالمهدي، فأنكر على أبي عبيد الله، ودعاهم فوصلهم، وأحسن إليهم في حوائجهم.
وكان أبو عبيد الله يقول: إني لأشكر حسن اللحظة، ولين اللفظة.
وذكر أن رجلا اعتذر إلى أبي عبيد الله فأطال، فقال له: ما رأيت عذرا هو أشبه باستئناف ذنب من هذا.
وكان أبو عبيد الله يقول: اليأس حر، والرجاء عبد.
صفحة ١٥١