[10]
ولما استحضر عمر زيادا، قال زياد: فأتيته وعلى ثياب كتان، وعلى خفان ساذجان، وفي يده مخصرة على رأسها حديد، فغمزها في خفي حتى خرقه وأدمى رجلي، فلما كان من الغد، رجعت إليه في خفين غليظين، وعلى ثوبان من قطن، فلما رآني قال: هكذا يا زياد! هكذا يا زياد! ثم قال لي: بكم أخذت هذين الخفين؟ قلت بواف - يريد درهما وافيا - فأعطاني درهما وقال: اشتر لي مثلهما.
قال: وكان عمر يملى على كاتب بين يديه، فكتب الكاتب غير ما قال عمر، فقال له زياد: يا أمير المؤمنين، قد كتب غير ما قلت. فنظر في الكتاب، فكان كما قال زياد، فقال عمر: أني علمت هذا؟ قال: رأيت رجع فيك وخطه، فرأيت ما أحارت كفه غير ما رجعت به شفتيك.
وكتب عمر إلى أبي موسى يأمره بحفر نهر لأهل البصرة، فحفر لهم النهر المعروف بنهر الأبلة.
وروى أن عمر وهب لزياد عند وصوله إليه ألف درهم، ثم تذكرها بعد، فقال: ضاع ألف أخذه زياد. فلما دخل عليه قال له: ما فعل ألفك؟ قال اشتريت به عبيدا وأعتقته، فقال: ما ضاع ألفك.
ثم قال له: يا زياد، هل أنت حامل كتابي إلى أبي موسى في عزلك عن كتابه؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين، إن لم يكن ذلك عن سخط، قال: ليس عن سخط، ولكني أكره أن أحمل فضل عقلك على الرعية.
وكان عمر أول من قرر التأريخ من الهجرة، لأن أبا موسى كتب إليه: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ - وكانت العرب تؤرخ بعام الفيل - فجمع عمر الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرخ بمبعث النبي، وقال بعضهم بمهاجره، فقال عمر: لا، بل بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل. وكان ذلك في سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة من الهجرة.
ولما أجمعوا على ذلك قالوا: بأي الشهور نبدأ؟ فقال بعضهم: من شهر رمضان؟ فقال عمر: بل من المحرم، فهو منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا على المحرم .
وروي في خبر شاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد المدينة مهاجرا من مكة
صفحة ١٥