[77]
السراويل، فلا تعاوده. وكان محمد بن جميل يتقلد ديوان الخراج، ولما قلد أبو جعفر الربيع العرض عليه، حسن مذهبه، وآثر الخيرية، حتى عرف بذلك.
وكان أبو جعفر إذا أراد بإنسان خيرا، أمر بتسليمه إلى الربيع، وإذا أراد بإنسان شرا أمر بتسليمه إلى المسيب. فكتب العامل بفلسطين يذكر أن بعض أهلها وثب عليه، واستغوى جماعة منهم، فعاث في العمل. فكتب إليه المنصور: دمك مرتهن إن لم توجه به. فصمد له العامل، وأخذ ووجه به. فلما مثل بين يديه، قال: أنت المتوثب على عامل أمير المؤمنين؟ لأنثرن من لحمك أكثر مما يبقى على عظمك! فقال: وكان شيخا كبيرا، بصوت ضئيل:
أتروض عرسك بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم؟
فقال: يا ربيع، ما يقول؟ قال: يقول:
العبد عبدكم والمال مالكم ... فهل عذابك عني اليوم مصروف
فقال المنصور: يا ربيع، قد عفوت عنه، فخل سبيله، واحتفظ به، وأحسن إليه.
وهذا الشعر لعبد بني الحسحاس، وكان مولاه اتهمه بابنته، فعزم على قتله، فقال هذا الشعر، وأوله:
أمن سمية دمع العين مذروف ... لو أن ذا منك قبل اليوم معروف
كأنها حين تبكي ما تكلمني ... ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف
لا تبك عينك إن الدهر ذو غير ... فيه تفرق ذي إلف ومألوف
صفحة ١٤٣