139

[75]

أن عبد الله بن علي لما استتر عند أخيه سليمان بالبصرة، وعلم أنه لا وزر له من أبي جعفر، قال: فلم أستتر، وقصدت أصحابنا الكتاب، فصرت في ديوان أبي جعفر، وأجرى لي في كل شهر عشرة دراهم، فبكرت يوما إلى الديوان قبل فتح بابه. ولم يحضر أحد من الكتاب، فإني لجالس. عليه، إذا أنا بخادم لأبي جعفر يتلمح الباب، فلم ير غيري، فقال لي: أجب أمير المؤمنين، فأسقط في يدي، وخشيت الموت، فقلت: إن أمير المؤمنين لم يردني، قال: وكيف؟ فقلت: لأني لست ممن يكتب بين يديه. فهم بالانصراف عني، ثم بدا له، فأخذني وأدخلني، حتى إذا صرت دون الستر، وكل بي ودخل، فلم يلبث أن خرج، فقال لي: ادخل، فدخلت، فلما صرت إلى باب الإيوان، قال لي الربيع: سلم على أمير المؤمنين، فشممت رائحة الحياة، فسلمت، فأدناني وأمرني بالجلوس، ثم رمى إلي بربع قرطاس، وقال لي: اكتب وقارب بين الحروف، وفرج بين السطور، واجمع خطك، ولا تسرف في القرطاس، وكانت معي دواة شامية، فتوقفت عن إخراجها، فقال لي: كأني بك يا يوسف، وأنت تقول في نفسك: أنا بالأمس في ديوان الكوفة أكتب لبني أمية، ثم مع عبد الله بن علي، وأخرج الساعة دواة سامية! إنك إنما كنت في ديوان الكوفة تحت يد غيري، وكنت مع عبد الله بن علي، لي ومعي، والدوى الشامية أدب جميل، ومن أدوات الكتاب، ونحن أحق بها، قال: فأخرجها، فكتبت وهو يملي علي، فلما فرغت من الكتاب، أمر به فأترب. وأصلح، وقال: دعه، وكل العنوان إلي، ثم قال لي: كم رزقك يا يوسف في ديواننا؟ فقلت عشرة دراهم، فقال لي: قد زادك أمير المؤمنين عشرة دراهم، رعاية لحرمتك بعبد الله بن علي، ومثوبة على طاعتك، ونقاء ساحتك، وأشهد أنك لو استخفيت باستخفائه لأخرجتك ولو من جحرة النمل، ثم زايلت بين أعضائك، قال: فدعوت له، ثم خرجت مسرورا بالسلامة.

وتوفي عبد الملك بن حميد، كاتب أبي جعفر في آخر سنة أربع وخمسين ومائة.

صفحة ١٣٩