[73]
هنيهة ثم قال: علي بمعاوية. فلما دخل عليه قال له: ما هذا الذي ناظرك فيه أبو عبد الله، وكيف رأيت أن لا يقبل؟ قال: أصدقك وأنا آمن؟ فقال له: هات، ولم لا تصدقني؟ فقال له: إنه والله ما عرضت عليه ما عرضته وأنت تريد أن توليه، وإنما أردت أن تختبر عقله، وما كنت لتطيب نفسا بترك ما أنت فيه، فقال له: وكيف توهمت ذلك؟ قال لأني سمعتك تقول: إني أستيقظ، بالليل فأدعو بالكتب، فأضعها بين يدي، وأدعو بالجارية فآمرها أن تمرخ ظهري بالدهن، فتفعل ذلك، وأنا مقبل على كتبي وتدبيري، والنظر في أموري، فعلمت أنك لا تدع شيئا يكون موقعه منك هذا الموقع، وتؤثر به غيرك، فقال: ما كنت أرى أن أحدا يتفقد ما تفقدته، وقد أصبت الرأي وأحسنت، بارك الله عليك.
وكان المنصور ضم رجلا يقال له: فضيل بن عمران، من أهل الكوفة، إلى جعفر ابنه يكتب له، ويقوم بأمره. بمنزلة أبي عبيد الله مع المهدي، وكانت لجعفر حاضنة تعرف بأم عبيدة، فثقل عليها مكان فضيل، فسعت به إلى أبي جعفر، وادعت عنده أنه يلعب بجعفر. فبعث المنصور بالريان مولاه، وهارون بن غزوان، مولى عثمان بن نهيك، إلى فضيل، وأمرهما بقتله، وكتب لهما منشورا بذلك، فصاروا إليه فقتلاه. وكان الفضيل دينا عفيفا، فقيل للمنصور في ذلك، وأنه أبرأ الناس مما قرف به، وأبعدهم منه، فوجه رسولا، وجعل له عشرة آلاف درهم إن أدركه قبل أن يقتل، فصار إليه فوجده قد قتل ولم يجف دمه. واتصل خبر قتله بجعفر بن أبي جعفر، فطلب الريان، فلما جيء به إليه، قال له: ويلك! ما يقول أمير المؤمنين في قتل رجل عفيف مسلم، بغير جرم ولا خيانة! فقال الريان: هو أمير المؤمنين يفعل ما يشاء، هو أعلم بما صنع. فقال له: يا ماص بظر أمه! أكلمك بكلام الخاصة، وتكلمني بكلام العامة! خذوا برجله، فألقوه في دجلة. قال: فأخذوا والله برجلي، فقلت: أكلمك، فقال: دعوه، فقلت:
صفحة ١٣٥