مع الناس
الناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثامنة
سنة النشر
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
مكان النشر
جدة - المملكة العربية السعودية
تصانيف
في كل كتاب، وتلك لا يعرفها إلا مَن رآها.
بل إن من الأدباء من شد الرحال وسافر إلى أوربا فوصف الرَّيْن والبندقية، ولكنه لم يسافر إلى الشام ولا إلى العراق، ولم يصف بردى ولا بندقية العرب.
ألا تدرون أن البصرة بندقية العرب؟ وأن فيها إلى جنب كل شارع قناة، فأنت تركب السيارة في الشارع أو الزورق في القناة؟ وأن فيها أماكن لا مسالك فيها إلا أقنية الماء، ولا مركب إليها إلا الزوارق تسير فيها بين غابات النخيل وخمائل الورد حتى تنفذ إلى شط العرب؟
فيا شعراء العربية، ويا أصحاب الأقلام، ويا معلّمي الإنشاء: خلّدوا بالأدب كل دار عاش فيها عظيم، وكل بقعة نشأ فيها مجد، وكل ساحة ولد فيها ظفر، وكل روضة هام فيها شاعر، وكل جبل وكل مصيف وكل مشتى. عودوا إلى الطبيعة فصفوها، لا تقتصروا على وصف ذراها وسفوحها ومساربها وسوحها، بل انفذوا إلى قلبها وروحها. وإن للطبيعة روحًا وللبلدان لسانًا؛ إن لهذه الأودية المسحورة من لبنان (التي ضلّت طريقها بين الجبال كعاشق هائم ينشد طيف الحبيب) لَقلبًا يبثّ في الدنيا عواطف الجمال والتأمل، ولهذه الجبال المُعْتَمَّة بالثلج (التي تشرف على الدنيا كفيلسوف مفكر يستجلي وجه الحقيقة من بين أشباح الأوهام) لَعقلًا ينثر على الناس حكمة البقاء والعدم ولهذه الأنهار التي تمشي منذ الأزل، إن للنيل ودجلة وبردى لسانًا يروي أخبار الماضي ويحدّث أحاديث القرون ويملأ الأسماع (لو وُجدت الأسماع!) شعرًا وقصصًا وأدبًا خالدًا.
1 / 42