قال عبد الملك: وأما قوله تعالى: {وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون} فالكأس أيضا ها هنا الخمر مثل التي فوقها، وقوله: {من معين} يقول: ليست من عصارة العنب، ولا مما يعصر بالأيدي والأرجل كما تكون خمر الدنيا، ولكنها من معين مما يتفجر من جبل الفردوس كما تتفجر ماء العيون والأنهار، وكذلك قال في الآية الأخرى: {وأنهار من لبن لم يتغير} وقوله: {لا يصدعون عنها ولا ينزفون} فمعناه لا يصيبهم منها صداع، ولا سكر كما يصنع خمر الدنيا، والنزيف السكران، ومثله قوله في الآية الأخرى: {يطاف عليهم بكأس من معين. بيضاء لذة للشاربين} وكذلك خمر الجنة أشد بياضا من اللبن، وأما قوله: {لا فيها غول} أي لا يصيبهم منها وجع يعني بالغول وجع البطن: {ولا هم عنها ينزفون} يقول: لا يسكرون منها.
قال عبد الملك: وأما قوله تعالى: {وكأسا دهاقا} فهي الكأس بعينها التي يشرب بها، والدهاق الممتلئة المترعة. كذلك قال ابن عباس، وقتادة، وغيرهما.
قال عبد الملك في قول الله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} قال: صفة الجنة التي وعد المتقون فيها: {أنهار من ماء غير ءاسن وأنهار من لبن لم يتغير/ طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} فأما قوله: {من ماء غير ءاسن} يعني غير كدر، ولا متغير وأنهار من لبن لم يتغير، لم يخرج من ضروع المواشي، وأنهار من خمر لم يعصرها الرجال بأقدامهم، وأنهار من عسل لم يخرج من بطون النحل.
70- قال عبد الملك: وحدثني ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في كل قصر من قصور الجنة أربعة أنهار: نهر من ماء معين، ونهر من خمر معين، ونهر من لبن معين، ونهر من عسل معين، ولا يشرب منها حتى يمزج بالعيون التي سماها الله تعالى التسنيم، والزنجبيل والسلسبيل، والكافور، وهي التي يشرب بها المقربون منها صرفا)).
صفحة ٢٥