الوجل والتوثق بالعمل

ابن أبي الدنيا ت. 281 هجري
21

الوجل والتوثق بالعمل

محقق

مشهور حسن آل سلمان

الناشر

دار الوطن

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٨ - ١٩٩٧

مكان النشر

الرياض

الْمُنَجِّمِ، وَتَلَهَّفَ عَلَى عِصْيَانِهِ وَالِدَهُ، وَهَلَكَ هُوَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ بَعْدَ سِبَاحَةِ يَوْمٍ، فَنَبَذَهُمُ الْبَحْرُ إِلَى السَّاحِلِ مِنْ مَنْزِلِ أَبِيهِ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ، فَلَمْ تَمُرَّ بِهِمْ أَيَّامٌ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الشَّيْخِ الْخَبَرُ، فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ، وَنَحِلَ وَكَمِدَ حَتَّى هَلَكَ أَيْضًا، وَقُسِّمَ الْمِيرَاثُ عَلَى امْرَأَةِ التَّاجِرِ، وَابْنِهِ، وَابْنَتِهِ، فَتَزَوَّجَ ابْنُهُ، وَتَزَوَّجَتِ امْرَأَتُهُ وَابْنَتُهُ، فَصَارَ مَا جَمَعَ إِلَى زَوْجِ امْرَأَتِهِ، وَزَوْجِ ابْنَتِهِ، وَامْرَأَةِ ابْنِهِ، وَكُلُّ مَا يَجْمَعُ الْأَشْقِيَاءُ إِلَى ذَلِكَ يَصِيرُ.
قِصَّةُ صَاحِبِ الْحُوتِ وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِلْمُدَّخِرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمُؤْثِرِ لِغَيْرِهِ، فَوَيْحَكَ، قَابِلْ هُمُومَكَ بِخِفَّةِ الْمَالِ، وَتَبَلَّغْ بِالْكَفَافِ تَبْلُغِ الْمَنْزِلَ، وَادَّخِرِ الْفَضْلَ لِنَفْسِكَ، وَلَا تُؤْثَرْ غَيْرَكَ فَتَلْقَ مَا لَقِيَ صَاحِبُ الْحُوتِ. قَالُوا: وَمَا الَّذِي لَقِيَ صَاحِبُ الْحُوتِ؟ قَالَ أَنْطُونِسُ: زَعَمُوا أَنَّ صَيَّادَ سَمَكٍ أَصَابَ فِي صَيْدِهِ حُوتًا عَظِيمًا سَمِينًا، فَقَالَ: لَيْسَ مِثْلُ هَذَا يُبَاعُ، وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِأَكْلِهِ مِنِّي فَانْقَلَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إِلَى جَارٍ لَهُ مِنَ الْحُكَمَاءِ، فَلَمَّا أَتَاهُ بِهِ دَعَا لِلصَّيَّادِ بِعِوَضٍ مِنْهُ، فَأَبَى الصَّيَّادُ أَنْ يَقْبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ الْحَكِيمُ: فَمَا دَعَاكَ إِلَى هَذَا، لَعَلَّ لَكَ حَاجَةً تُحِبُّ قَضَاءَهَا؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُوثِرَكَ بِهِ. قَالَ: قَدْ قِبْلَتُهُ، ثُمَّ أَمَرَ خَادِمًا لَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا الْحُوتِ إِلَى جَارِنَا هَذَا الْمُقْعَدِ الْمِسْكِينِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الصَّيَّادُ ضَرَبَ جَبْهَتَهُ، وَقَالَ: يَا وَيْلَهُ مِمَّا حَرَمَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْلِ هَذَا الْحُوتِ، ثُمَّ صَارَ إِلَى أَعْدَى النَّاسِ لَهُ. قَالَ لَهُ

1 / 46