وباء الفجور لإبراهيم أبي اليقظان
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو اليقظان إبراهيم
خلق الله النوع البشري وأحاطه بأنواع من الوقاية والصيانة وخصه بأصناف من التكريم والتفضيل ليبقى ذلك النوع ممتد العمر طول عمر الدنيا حتى تتم حكمة الله تعالى بخلقه من جعله خليفته في أرضه.
وبقدر ما وقاه وصانه ووعد من يعمل لتنمية النوع وبقائه الخير الجزيل فإنه سبحانه شدد النكير على كل من يعمل لخرم النوع وتوعد بصارم العقاب من يسعى في قطع جرثومته من الأرض ولو بسبب ما.
خلق خلقه ولم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لأسرار عظيمة وحكم بليغة وأرسل وأنزل إليهم الكتب وكلفهم بتكاليف وشرع لهم شرائع وحد لهم حدودا يقفون عندها وخط لهم معالم ينتهون إليها كل ذلك مراعاة لمصالحهم ودفعا للمفاسد عنهم.
كان من بين تلك الشرائع والحدود تحريم كل ما فيه مقاومة بقاء النوع البشري أو افساد سيره في أرضه من القتل وأسبابه والزنا ومقدماته والسرقة وتوابعها وكان الجزاء في ذلك من جنس العمل فالقتل بالقصاص والزنا بالرجم والسرقة بقطع اليد وهكذا.
وقد جعل من سنته تخصيص العقاب بمرتكب الجريمة إذا خصت وتعميمه إذا عمت فمحق بمقتضى هذه السنة أمما وأباد شعوبا واستأصل قبائل.
تطور بالبشر التشريع وتجددت الأحكام ولكن القتل والزنا وما فيه مقاومة النوع البشري بقي هو هو في حكم التحريم المحظور في جميع الشرائع فلم يرد في شريعة من الشرائع أو في كتاب من الكتب السماوية في عصر من العصور تحليل القتل بغير حق أو تحليل الزنا على الإطلاق بل لا تزال ترد أحكام التشديد في ذلك وتنزل آيات العقاب والصرامة عليه بقدر ما تسرف الجمعية البشرية فيه وتنهمك في لججه وتتلظى في حريقه.
ورغما من كل ذلك فإن النفوس لم ترعو ولم تنته عن غيها ولم تعتبر بعبر الدهر وقوارع الزمان بل ما زالت تلج في طغيانها ولم تزل نزاعة إلى اللذائذ والشهوات البهيمية بدون أن تقدر لذلك حسابه أو تعرف ما في ذلك من الوبال والدمار والخراب.
صفحة ١
إن أكثر ما يكون ثورانها وتشتد غلمتها عندما تغرب شموس النبؤات ويغيب نور أقمارها ويظلم الجو ويسود أفق البشرية وتفيض أنهر الترف والنعيم على الأمم ولكن جرت سنة الله تعالى في هذه الأحوال أن يرسل أثرها سوط عذابه ويصب على تلك الامم جام غضبه وسخطه.
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}
لم يجعل الله سبحانه وتعالى تلك العفة ظلما وجورا فإنه لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون لحكم عالية اقتضاها العدل ونظام الكون لما في جريمة القتل وجريمة الزنا من المفاسد فهي بادية للعيان لنفس الغريزة البشرية فلا حاجة لتفصيلها الآن.
وأما مفاسد الزنا فنحن نلخصها فيما يلي:
أولا: من الوجهة الدينية فإن في إقتراف هذه الجريمة الشنعاء هتكا لما حرمه الله في كتبه على ألسنة رسله وتسفيها لما جاء في ذلك من الآيات البينات والأحاديث والأخبار وتعرضا لغضب الله وسخطه في الدنيا والآخرة فقد قال تعالى:
{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} {سورة الإسراء: الآية 33)
صفحة ٢
{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} {سورة الفرقان: الآيتان 68 , 69) {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} {سورة الأنعام: الآية 151)
«إن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم» (الآية نسخ لفظها وبقي حكمها) هذه بالنسبة للمحصن وأما بالنسبة للبكر فقوله:
{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (سورة النور: الآية 2)
{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (سورة الأعراف: الآية 33)
صفحة ٣
{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (سورة النحل: الآية 90) إلى غير ذلك من الآيات الزواجر التي تلهب نارا على مرتكبي الجريمة بأي نوع من أنواعها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني وهو مؤمن» (1) , «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها. قيل وما حقها يا رسول الله؟ قال: زنا بعد إحصان وارتداد بعد إيمان , وقتل النفس ظلما وعدوانا , بشر الزاني بالفقر والعمى ولو بعد حين» (2)
صفحة ٤
وقد ورد في الأثر ما معناه «إن في جهنم واديا يجري من الصديد الذي يسيل من فروج الزناة يستعيذ من نتن رائحته أهل جهنم» (3) إلى غير ذلك من الآثار التي تدل على فظاعة وشناعة تلك الجريمة ناهيك بها جرما وقبحا , إن النصوص سوت في الجزاء بينها وبين جريمة القتل فكما حكمت على مرتكب هذه بالقتل كذلك حكمت على مرتكب تلك به إلا أن الأول بكيفية أسهل وهي القتل رجما لأن كلا منهما قاتل إلا أن الثاني بطريق أفحش وإنما خفف على غير المحصن مراعاة لحالة لا تهوينا من شأن جريمته.
صفحة ٥
ثانيا: من الوجهة الصحية فقد قرر حذاق الأطباء أن جريمة الزنا بأنواعها بلاء مبرم قد تسلط على الجمعية البشرية فأخرج بني البشر عن الحدود الطبيعية وفتك بوظائف أعضاء التناسل فتكا فظيعا أسقطها عن حدها الطبيعي وحمل الإنسان على أن يلقي بحياته المقدسة باختياره إلى التهلكة حيث قاده إلى صرف ماء حياته وإراقته بوسيلة خارجة عن حدوده وقواه الطبيعية , وقد تحدث بذلك أمراض خطيرة سارية منها: مرض الزهري (السرطان) وهو يكون من تأثير سم يقال له فيروس يدخل في جسم الإنسان من كثرة الاختلاط وهو في البداية يظهر على هيئة بقع أو قروح صغيرة على أعضاء التناسل ولا يلبث طويلا حتى يمتص ويجذب إلى داخل البدن فيحدث فيه النتائج الوخيمة التي وإن كانت لا تقتل الإنسان للحال إلا أنها من حيث تأثيرها في حياته وتغييرها أحوال الطبيعة البشرية منه وتخريبها لبنية الجسم ونزعها القوة فهي تضر كذلك بالجسم والحياة ضررا بليغا وتؤثر في المعيشة تأثيرا عظيما أما الأعراض التي تحدث عن الزهري وتعقبه فإنها تظهر في جلد الإنسان وفي غشائه المخاطي وجهازه العصبي وأعضائه الحسيه وفي عضلاته وعظامه وأعضائه الداخلية أيضا وقد تنشأ عن ذلك في المحلات المذكورة علل مختلفة تظهر في مدة معينة تباعا لا دفع واحدة ومنها التعقيبة وهي التهاب مجرى البول وتسري عدواه بكثرة الاختلاط ويكون أول حصولها بمس قيحها عضو الرجل التناسلي من عضو امرأة مبتلية بذلك.
أما أعراضها فهي احتراق في رأس الذكر وتآكله بعد بضعة أيام من الملامسة والتلقيح بسمها وظهور مائع أبيض في طرف مجرى البول والشعور بألم واحتراق عند خروجه وسير الالتهاب من رأس العضو إلى عمقه وعندما تصل الدرجة إلى الحدة يشتد الألم عند التبول ويحدث الانتشار في القضيب.
ومن شأن هذه العلة الالتهابية وصولها إلى آخر عمق المجرى وحصول الدرجة كثيرا وامتدادها إلى عنق المثانة وإلى المثانة أيضا والعياذ بالله.
صفحة ٦
ومنها سيلان المني الذي ينتج إذا لم يتدارك بالمعالجة السريعة الضعف وعدم الاقتدار على مساواة الرجل ومنها غير ذلك.
ثالثا: من الواجهة الخلقية فإن الزاني لارتكابه جريمة الزنا وإدمانه عليها تفسد أخلاقه ويموت إحساسه، وتقل غيرته، ويخمل فكره وتتبلد قريحته وتتغير خيالاته كما يتغير لون وجهه ويخف نظره وتكثر هواكسه ويخاف من كل شيء ويميل إلى الانفراد ويستوحش من الجماعات، وقد يصبح أحيانا مجنونا أو معتوها.
ولا يخفى ما ينتج عن هذه الأخلاق الفاسدة من الكذب والسفه والوقاحة والبذاءة وارتكاب الجرائم الاخرى من ترك الواجبات وانتهاك المحرمات من الإدمان على الخمر وسلب اموال الناس والاعتداء على اشخاصهم ... إلخ.
رابعا:
من الوجهة الاقتصادية، فإن الزاني بانهماكه في جريمة الفحش يضطر لتبديد أمواله وتبذيرها في كل ما يستلزمه من أنواع القصف والمجون وهو لاستهتاره في ذلك تنصرف همته عن الاشتغال بالكسب وتحصيل المال وبالطبع إذا فتح على نفسه أبواب الإسراف والتبذير على مصارعها وأغلق بيده أبواب الدخل يصبح عاجلا أو آجلا بائسا فقيرا «بشر الزاني بالفقر والعمي ولو بعد حين»، وكم بددت لذلك من أموال وكم خربت من ديار وأصبحت خرابا تذروها الرياح.
خامسا:
من الوجهة الأدبية، فإن الفاجر لمخالفته أوامر دينه وتمزيقه ثوب العفاف وهتكه شرف العائلات وظهوره في مظهر المجرم الفاسد الخلق يرمق من الهيئة الاجتماعية بعين الاستخفاف والازدراء يعد لديها في زمرة الأنذال السفهاء الساقطين لا قيمة له ولا مجد ولا شرف اللهم عند أمثاله من الأسافل وسقط المتاع.
سادسا:
صفحة ٧
من الوجهة العائلية، فإن الزاني بعدوله وانحرافه عن عائلته إلى الزنا تتفكك روابط الزوجية بينهما وتفسد علاقتهما ويضطرب حبل المحبة والصفا بينهما فيعيش كل منهما في نزاع وخصام ويتهدم بذلك النظام العائلي ويذهب كل منهما في واد وقد يسري ذلك إلى كل من له علاقة بهما ويرتطم في حريق الفاحشة وهي نتيجة طبيعية بجريمته الأولى «والزاني يزني ولو بجدار بيته».
سابعا:
من الوجهة التناسلية، فلأجل سريان داء الزهري إلى الأبوين من الزنا وفساد دمهما بذلك الداء الفتاك يسري طبعا إلى النسل فيولد الولد إما أبكم أو أصم أو أعمى أو مقعد أو أعرج أو نحو ذلك من العاهات المزمنة، وهذا النسل لا محالة عقيم لا ينتج وإذا أنتج عقم ما بعده، ولهذا قيل: «الخمر والزنا مقراضان للنسل» هذا من وجهة ومن جهة أخرى، فإن الزاني لعدم تمحض الولد له تقل غيرته عليه وحمايته له ومن وجهة ثالثة فإن الزاني لتخليطه بين الأنساب وتشويشه مجرى الولاء والقرابة يغدو الولد غريبا دخيلا محروما من الميراث، محروما من عطف القرابة وحماية أولي الأرحام، فيعيش لذلك كله مهملا شريدا وشقيا تعيسا هائما على وجهه لا قلب يرحمه ولا نفس تعطف عليه، وليس الذنب ذنبه ولكن ذنب والديه الفاجرين .
ثامنا: من الوجهة الاجتماعية، فإن فاحشة الزنا إذا اندلع لهيبها وشب حريقها في أمة وسرى فسادها من الوجهات المتقدمة إلى كل فرد من أفراد الهيئة الاجتماعية فكيف يصبح حالها؟
وإلى ما يؤول إليه أمرها؟
لا شك أنها تصبح بؤرة للمفاسد ومستنقعا كريها من مستنقعات الشرور ومزبلة من مزابل الغواية والسقوط والنذالة وليس وراء آكامها إلا الخراب والدمار والانقراض والاضمحلال والزوال.من الوجهة العائلية، فإن الزاني بعدوله وانحرافه عن عائلته إلى الزنا تتفكك روابط الزوجية بينهما وتفسد علاقتهما ويضطرب حبل المحبة والصفا بينهما فيعيش كل منهما في نزاع وخصام ويتهدم بذلك النظام العائلي ويذهب كل منهما في واد وقد يسري ذلك إلى كل من له علاقة بهما ويرتطم في حريق الفاحشة وهي نتيجة طبيعية بجريمته الأولى «والزاني يزني ولو بجدار بيته».
سابعا:
من الوجهة التناسلية، فلأجل سريان داء الزهري إلى الأبوين من الزنا وفساد دمهما بذلك الداء الفتاك يسري طبعا إلى النسل فيولد الولد إما أبكم أو أصم أو أعمى أو مقعد أو أعرج أو نحو ذلك من العاهات المزمنة، وهذا النسل لا محالة عقيم لا ينتج وإذا أنتج عقم ما بعده، ولهذا قيل: «الخمر والزنا مقراضان للنسل» هذا من وجهة ومن جهة أخرى، فإن الزاني لعدم تمحض الولد له تقل غيرته عليه وحمايته له ومن وجهة ثالثة فإن الزاني لتخليطه بين الأنساب وتشويشه مجرى الولاء والقرابة يغدو الولد غريبا دخيلا محروما من الميراث، محروما من عطف القرابة وحماية أولي الأرحام، فيعيش لذلك كله مهملا شريدا وشقيا تعيسا هائما على وجهه لا قلب يرحمه ولا نفس تعطف عليه، وليس الذنب ذنبه ولكن ذنب والديه الفاجرين.
ثامنا: من الوجهة الاجتماعية، فإن فاحشة الزنا إذا اندلع لهيبها وشب حريقها في أمة وسرى فسادها من الوجهات المتقدمة إلى كل فرد من أفراد الهيئة الاجتماعية فكيف يصبح حالها؟
وإلى ما يؤول إليه أمرها؟
لا شك أنها تصبح بؤرة للمفاسد ومستنقعا كريها من مستنقعات الشرور ومزبلة من مزابل الغواية والسقوط والنذالة وليس وراء آكامها إلا الخراب والدمار والانقراض والاضمحلال والزوال.
----NO PAGE NO------
صفحة غير معروفة