ذلك ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستوجبون به التأديب، كل ذلك بقوة اجتهاده وما يؤديه إليه نظره ولم يكن أمير المؤمنين (ع) يرى ذلك، وكان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعداها إلى الاجتهاد والأقيسة، ويطبق أمور الدنيا على أمور الدين، ويسوق الكل مسوقا واحدا، ولا يضع ولا يرفع الا بالكتاب والنص فاختلف طريقاهما في الخلافة والسياسة، إلى آخر ما قاله في ذلك أخذنا منه موضع الحاجة.
فصل قال الواقدي: ما فرطنا في الكتاب من شئ أي ما تركنا شيئا لم نبينه لان معنى التفريط يعود إلى التقصير عن التقويم فيما يحتاج إلى التقويم فيه وما خفى على الناس فلم يعرفوا فيه دلالة فذلك لقصور علمهم. قال: وقد استنبط ابن مسعود بدرجتين في قوله لامرأة: مالي لا العن من لعنه الله في كتابه؟! فقالت: يا بن أم عبد تلوت البارحة ما بين الدفتين فلم أجد فيه لعن الواشمة فقال: لو تلوتيه وجدتيه قال الله تعالى: ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فان رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة.
أقول: كون وجوب الاخذ بأوامر النبي (ص) ونواهيه في القرآن لا يستلزم ان يكون جميع أوامره ونواهيه فيه وليس هذا من معنى " ما فرطنا في الكتاب من شئ " في شئ بل لابد ولا أقل من أن يكون في القرآن احكام كلية يترتب عليها فروع جزئية من غير واسطة محتاجة إلى الثبوت بل مطلقا حتى يصح ان يقال: ان تلك الفروع في القرآن كما مر في حديث القيل والقال وكثرة السؤال وفساد المال (1)، وكما يؤثر ان مولانا الحسن عليه السلام تلا قوله عز وجل: ولا رطب ولا يابس ألا في كتاب مبين، فقال له معاوية: أين قصة لحيتك ولحيتي في الكتاب؟ - وقد كان الحسن (ع) حسن اللحية وكان معاوية قبيحها، فقال (ع): قوله عز وجل: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا (2)، ولو استنبط لعن الواشمة وأخواتها من قوله عز وجل حكاية عن إبليس اللعين:
صفحة ١٥