أنس المسجون وراحة المحزون
محقق
محمد أديب الجادر
الناشر
دار صادر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٩٩٧ م
مكان النشر
بيروت
تصانيف
وقال آخر: الذي كان يقود الجنود في دار عزّه، اليوم تشيّعه تلك الجنود إلى دار مذلّته.
وقال آخر: هذا الذي قتل النّفوس يرجو الرّاحة، فاليوم يجدها أمامه تطلبه.
وقال آخر: لئن كان المطلوب غفل، فما أغفل الطالب.
وقال آخر: هذا الذي كان عدوّه يكره قربه، فخاصّته اليوم لقربه أكره.
وقال آخر: هذا الذي يندم على ما فاته من الدّنيا، فهو اليوم على ما أدرك منها أندم.
وقال آخر: هذا الذي تخلّفت عنه آثاره، ولحقت به أعماله.
وقال آخر: ارفعوا أصواتكم أيّها الحكماء بالمواعظ؛ فإن الإسكندر لا يسمع، ولعلّ الصّمّ يقدرون أن يسمعوا.
وقال آخر وهو رأس الحكماء: أيّها العزيز أمس، والذليل اليوم، كأنّك لست صاحبي أمس. أهلك صحبوك ظاعنا، وفارقوك مقيما. لئن كان الإسكندر نسوه، فما أصبح يذكرهم. بئس الورثة ورثتك، أخذوا مالك وتركوا الأثقال عليك والذّنوب. بئس الخلاّن خلاّنك، تبعوك سالبا، وفارقوك مسلوبا. بئس الجنود جنودك؛ نصروك آمنا وخذلوك خائفا، بئس الحصون حصونك بنيت لجندك، حصّنتها لمن تحتك وسهّلتها لمن فوقك.
بئس الخزن خزّانك، ائتمنتهم على مالك وشهدوا به لغيرك لما قبضت، للعواري بدت عاريتك. كانت دنياك العريضة لا تملأ بطنك، وأنت اليوم في بطنها.
هذا صارع الجبابرة أصبح مصروعا. لقد استبدلت بتاج الملك دار الفناء.
كان تاجرا رابحا فأصبح اليوم قد خسر نفسه. ما أسرع ما هاجت الزّهرة ونضجت الثمرة.
1 / 107