وكان المتوكل يهوى الصيد بالفهود، فخرج يومًا ومعه فهد، وكان قد هرب منه عدو، فوجد في الحلقة فأوتي به إليه، وكان ذلك العدو فيما يقال أنه يستوجب ما تؤاخذ به الملوك، فلما أوتي به إليه جرد المتوكل سيفه، وقصد ضرب عنقه، فأثيرت أرنب من بين ذلك الرجل الذي قصد المتوكل ضرب عنقه، فألقى المتوكل السيف من يده، وأرسل الفهد على تلك الأرنب، وركض خلفها حتى صيدت، فنزل وذبحها وجعل يطعم الفهد، ثم التفت إلى حاشيته، وقال: كنت أسر خلق الله بقتل عدوي هذا، وقد أزالت هذه الأرنب ما كان في قلبي عليه، ثم أمر أن يحضر بين يديه، فلما دنا منه تلا المتوكل قوله تعالى: "وفديناه بذبح عظيم". ثم عفا عنه وأحسن إليه وجعله من ندمائه إلى أن مات ﵀.
وهذا من أعجب ما روي من أحوال الغواة في الصيد.
وكان الرشيد أيضًا من الغواة في الصيد، والمعتصم أيضًا كذلك، وكان محمد الأمين أشد الناس انهماكًا على الصيد، ولو عددنا الخلفاء والملوك وغيرهم من المنهمكين على الصيد، لطال الأمر.
وأما رياضة الفهود بعد ذلك مثل رد الفهد عن الصيد بخشوف من فراخ الغزال فقد علمه الرواض من الفهّادة، وأما ترغيب الفهد في صيد فحل الغزال مدومًا فاذكره إن شاء الله تعالى، يعمد الفهاد إلى فهده في الصيد إذا صاد الفحل أن يفتح له حتى يأكل الغاية كل ما صاد فحلًا، وإذا صاد العنز أو غير العنز يدفعه ولا يطعمه، وإن أحوجت الضرورة أن يطعم أطعم بعد أن يركب على ظهر الفرس، بفعل ذلك مرارًا فإنه يعتاد الأكل من الفحل، يعرف ذلك فيجعله دأبه من القطيع ولا يريد سواه إن شاء الله تعالى.
باب تغيير عادة الفهد إذا اعتاد الهروب
فاعلم أن هذا مضروب وعلامة ذلك، أنه إذا وصل يلطم بكفيه الأرض، فإذا أبصر ذلك منه فليس دواء إلا تغيير الفهاد، فإن لم يجد ذلك منه، ودام الفهد على عادته، فيعمد الفهاد إلى طعم الفهد عند إرساله على الطريدة أن ينقص ثلث طعمه، فيجعله برسم الذواق، ثم يحك من الجبنة مثل الملح فيذره على ذلك الذواق، ويجعله مثل ثلث الذوق، ثم يقدره لقمًا، فكل ما أرسله وأخطأ عمد إلى لقمة جيدة يطعمه إياها، يفعل ذلك ثلاثة أيام أو خمسة ولا يوفيه الطعم إلا ذواقًا من الطعم، فإنه إذا فعل ذلك لم يعد الفهد إلى ما كان يفعل إلا إن كان خوفه من الفهاد، أو خوف يلحقه من الفرس، فإن من لفهود ما يكون إذا نزل عن ظهر الفرس يجد بذلك راحة فلا يريد الرجوع إلى فهاده بغضًا للفرس، وهذا الأمر صعب إصلاحه.
وقيل إن أول من حملها على الخيل يزيد بن معاوية.
خواص خلق الفهد، من ذلك، قال أرسطو: إن السباع تشتهي رائحة الفهد، وتستدل بها على مكانه، وربما قرب بعضها من بعض، وهي يستخبي في الشجر، فإذا مرّ به أيل مفاجأة وثب عليه، وأنشب مخاليبه في أكتافه ويمص دمه حتى يضعف الأيل ويسقط، فتجتمع عليه الفهود وتأكله، فإن اجتاز به أسد نهض وترك الفريسة له تقربًا إليه.
والفهد يعتريه داء يسمى خناقة الفهود ويلهم إذا اعتراه ذلك الداء أن يأكل العذرة فيبرأ.
ومن طبعه، أنه يحب صوت الحسن ويصغي إليه. وربما كان ذلك سببًا في صيده، ومما ركب فيه أن ما عجز منه عن التكسب لهرم أو غيره تصيد له الأخر في كل يوم شبعة، فما أحسن هذه الموافاة من هذا الحيوان الوحشي.
زبله: طريًا يطلى به مقود الفرس الذي يمضغ مقوده، فإنه إذا شم ذلك امتنع المضغ، وإن الفهد إذا أخطأ صيده رجع مغضبًا، وربما قتل سائسه ذلك الوقت.
ومن أخلاقه: أنه يأنس لمن أحسن إليه، ويقال أنه لص من لصوص السباع، ولم أر لأجزائه خاصية كغيره من الوحوش غير مرارته، فإنها إذا أذيبت وجعلت على الجرح انقطع جري الدم.
ومرارته، سم قاتل وإذا خلطت مع الزنجار فإنها تفتح الأورام لطوخًا.
باب صيد الأرنب بالفهد
1 / 23