قال محمد بن منكلي: وأنا أسامحك يا أخي في عدم استغراقك لسهمك حين الرمي عن القوسين الصلبة واللينة، وذلك في أوقات أذكر بعضها؛ منها إذا فاتك الصيد بقليل، وكنت قد رأيته قد وثب كالغزال، فارم الآن في قوائمه فإن أصبته ولم تكن قد استغرقت سهمك فقد عطلته أو قطعت عضوًا من أعضائه. ومنها إذا قاربك عدوك برمح أو بغيره فارم عليه ولكن في وجهه، ولو كان ملبس فيشتغل عنك بحاله.
وتكفيك هاتان الحيلتان وأخرى زائدة وهي ضرورية أوجب ذكرها لنصح كل مسلم يتعانى الرمي، وهي إذا سهوت أو غلبك فرسك القوي الجاري وفاتك التفويق في محله وأنت رامٍ على القبق أو الطائر المقصود بالرمي، فحينئذٍ أسامحك في عدم الاستغراق، لكن بشرط أن تكون قوسك صلبة أما القوس اللينة فلا يجوز فيها، وأنت على هذه الحالة، فيطلع سهمك باسترخاء، وربما لا يصل إلى القرعة وتصير مضحكة للحاضرين. وهذه الحيل لا يكاد يفهمها إلا الأذكياء من الجند.
قال المؤلف: وضابط الأمر أن كل رامٍ يعرف ما يوافقه من لقسي لكن يحتاج إلى دربة، وأما القوس اللينة فلها فوائد، من جملتها؛ يسهل إيتارها على الملبس وهو راكض، ومنها التمكن حين لرمي وسرعة النفوذ بشرط حسن الصنيع من المدّ والإطلاق والتخليص على أنواعه، وفي أماكنه المطلوبة.
وهذا الكلام لا يفهمه إلا الفقيه في الرماية. أما جهلة الأتراك فلا كلام معهم، والكلام مع العارفين منهم، ولا يجوز عند العقلاء إضاعة الحكم على تنوعاتها عند الجهال. ومن جملة فوائد القوس اللينة إذا كانت بحسب قوة الرامي أن صاحبها يتمكن من إيتارها وهو في الماء إذا اضطر إلى ذلك بحيث لا تبتل. ذكر ذلك الطبري ﵀، وذكر أيضًا كيفية الإيتار على تنوعاته، وذكر أيضًا كيفية الرماية من فوق الأسوار على العدو بحيث لا يرى الرامي فيرمى، وهذا لا يمكن عمله إلا بالقوس اللينة التي مقدارها ما بين العشرين رطلًا إلى خمس وعشرين.
وكنت حال الشبيبة أتعانا ذلك والآن بقي بعض بقية بعون الله، وأنا ذاك في عشر السبعين، وهو معترك المنايا، فنسأل الله حسن لخاتمة بفضله وكرمه، وقد خرجنا عن المقصود، ومن طالع كتابي، المنهل العذب لورود أهل الحرب، انتفع به فإن فيه ضوابط حربية تحتاج إليها الأجناد، وأما حسن الرماية فلائقه للأتراك المجيدين للرمي لا كلهم، حتى كان كأن القوس في يد التركي قد صيغ له وصنع لأجله، مثل الرماح يحسن حملها للعرب، وإن كان كثير منهم لا يحسنون اللعب بها، فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
وليذكر الآن كيفية الزرق على الصيد: يتخذ مزراقًا من خشب الزان لثقله يسر حاد وإن كان بلطية صغيرة كان أجود، ولتكن جناحيها حادة كسنان رمح المحارب سواء، فإذا كانت حادة الأجنحة انتفع بها. وفي ذلك فوائد للمحارب والصائد، منها؛ إذا فاته الزرق شمل الصيد في قوائمه بجناح من مزراقه الحاد شملًا قويًا، فإن علم أنه قد أثرت فيه الشملة فليمسك عنان فرسه ويستوقف فرسه قليلًا قليلًا على عادة الفرسان خلافًا للمغاربة وبعض الجهلة من العرب، فإن أكثر خيول المغاربة عرج الأرجل إما اليمنى وإما اليسرى أو كلاهما معًا. وكذلك جهلة العرب، وسبب ذلك؛ أنهم يركضون الخيل ويسترجعونها يمنة أو يسرة في أثناء الجري، فيحصل لخيولهم ما يحصل وهم يحسبون أنهم على شيء فإذا استرجعت فرسك، فإن الصيد ير ويقف فتبرد الضربة ويتألم، فادن منه قليلًا قليلًا واقصده واصنع ما ألهمك الله تعالى فيه، إما بضربك على رأسه كالغزال إذا فاتك وإياك أن تطعن الحمار في رقبته فلن يمكن تحصيله إلا بعد تصفية دمه بعد حين.
وقال العقلاء لن يرى اصبر من حمار على جراحه خصوصًا الوحشي فإنه أقوى نفسًا.
وأما كيفية ضرب الصيد بالسيف، فإذا رأيت الصيد فاستل سيفك قبل ركضك إذا كنت لا تحسن استلال السيف في وقت ركض الفرس الحاد، واطلب الصيد فإن كان غزالًا فاضربه على رأسه إن أمكنك، ولن تستطيع ذلك إلا إذا كان تعبانًا من طرد الخيل له أو كان نائمًا أو جريحًا من غيرك أو كان فرسك حادًا سابقًا، ويمكن قتله بضربك له على ظهره أو حيث أصيب.
1 / 11