270

أدباء العرب في الأعصر العباسية

تصانيف

وقلما ترى في مفاخره اعتدادا مستكرها كاعتداد أبي الطيب، وخروجا إلى الإحالة كخروجه، وإن وقعت على شيء من ذلك ساغته نفسك، ولم تنفر منه، لقربه من الطبع وبعده من التكلف، فتتمثل فيه أميرا معجبا بنفسه، مزهوا بمناقب قومه، يتكلم بعاطفته لا بعقله، والشعر العاطفي محبب إلى القلوب كيفما جاء.

ويمتاز فخره في نفحته الملوكية، وفخامة لفظه وشدة أسره، ولكنه لا يخرج إلى الوحشي من الكلام.

رومياته

ويراد بالروميات القصائد التي قالها الشاعر وهو أسير في بلاد الروم، فقد آلمه أن يتناساه ابن عمه، ويهمل أمره، ولا يذكر ما له من بيض الأيادي في دولته. وكان يزيده ألما ما يبلغه من الأخبار عن والدته الحزينة، فإنها لم ترفأ لها دمعة طوال أسره. وقصدت من منبج إلى حلب تلتمس الفداء من سيف الدولة، ثم عادت خائبة، مكلومة الفؤاد، مكسورة الخاطر، وما إن علم الأسير بخبرها، حتى قبضت على صدره غصة القهر، فثار ثائره، وفاضت مشاعره، وبث أشجانه في مسامع بنات عاطفته.

والروميات تشتمل على أجمل المزايا التي تحلى بها أبو فراس، ففيها عزة نفسه وإباؤه، وجرأته وشجاعته. وفيها حبه لوالدته، وحنينه إلى صبيته ووطنه. وفيها صبره وجلده وثقته المكينة بعناية الله. وفيها شكايته لسيف الدولة وعتبه عليه. فكأنها مذكرات ضمنها ما كان يمر به وهو مأسور.

وكان يتوقع من سيف الدولة أن يعجل افتداءه ، فلما استبطأه أرسل إليه يحثه على بذل الفداء:

دعوتك للجفن القريح المسهد

لدي وللنوم القليل المشرد

وتأبى على أبي فراس نفسه الكبيرة أن يتذلل في طلب الفداء، لما به من أنفة وعزة، فإما أن يطلبه لأنه يريد أن يموت قتيلا لا موسدا، أو لأن ملك بني حمدان ليس به غنى عنه. وإما أن يطلبه من أجل أمه العجوز:

لولا العجوز بمنبج

صفحة غير معروفة