لأنا نقول لهم هذه المعاني والمزايا والأحوال: لا تخلو إما أن تكون هي الذات أو غيرها، الثاني : باطل، لأنها لا تخلو إما أن تكون شيئا أولاشيء، إن كان الأول لزم التعدد في القدماء أو الحدوث أو لا شيء ولزم التعطيل ولا يلتزمون ذلك، قال مثبتوا المعاني: ليست بعرض ولا هي هو ولا غيره، وقال أهل المزايا: لا توصف بوجود ولا عدم ولا حدوث ولا قدم ولا هي شيء ولا لا شيء وحيث فروا من التعطيل والتعدد والتكثير، قال: (والصحيح أن الخلاف لفظي، لأن قولهم لا هي) أي المزايا والمعاني (الله ولا غيره ولا شيء ولا لاشيء متناقض) إذ قد أثبتوا شيئا غير خارج أعني (1) مباين للذات ( فيعود إلى قولنا) إنها تعبير عن الذات لفرارهم من التعطيل (وكذا أهل المعاني مع الفرار من التعدد) في القدم والحدوث ( حيث لم يعددوا ولم يعطلوا) فلم يبق إلا قولنا بخلاف من أثبتها أي الصفات مباينة (وقدوهم بعضهم) أي بعض العلماء كالمحقق المفتي محمد بن عز الدين رحمه الله، فقال: ( إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لن تقدروا قدره) (وقول علي عليه السلام من تفكر في غير الذات وحد، ومن تفكر في الذات ألحد، نهي عن النظر في الصفات كالذات لا تحادهما) أي الذات والصفات، (والجواب أن الإثبات) للصفات (والتعبير) بالصفة عن الذات (ليس من التفكر في الحقيقة) أي في كنه الذات (على الحقيق كيف وقد ورد بالتعبير القرآن) في جواب موسى عليه السلام على فرعون وجواب إبراهيم عليه السلام على النمرود وغير ذلك، (والسنة) النبوية صلى الله وسلم على صاحبها وآله في كلام كثير بسند صحيح شهير (وكلام السلف وهو عنوان التصديق)، أي الكاشف لصحة التصديق، لأن من لا يعلم الصفة لم تتم له معرفته كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في النهج أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة إلى آخر كلامه، وقال: الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ...إلخ.
فهل هذا إلا التعبير عن الذات المقدسة ومن تتبع خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخطب أصحابه يعلم أنهم يعبرون عن الذات بالصفة وإذ يلزم من المنع إطلاق حمل الصفات على الحقيقة المقتضي للمشابهة والتجسيم.
قلنا: (ولا يلزم من تعدد النعوت تعدد المنعوت) أي الذات، فلذا قال: (لأن مرجع صفات الإدراك من السمع والبصر إلى العلم) لتعذر الآلات على واجب الذات، لأن إحاطة علمه ليست بالحواس الباطنة ولا الظاهرة بل بذاته المقدسة ووافقنا أبو الحسن الأشعري، (كما ترجع صفات التأثير من الإرادة والاختيار إلى القدرة)، فأن الإرادة والاختيار عبارة عن تعلق القدرة بالمقدور والتعليق غير التعلق، فأن تعلق مطاوع التعليق فتعلق بالفتح فعل، والتعليق إرادة واختيار والمتعلق بكسر اللام، قدرة وبفتحها مقدور (وظاهر كلام الهادي عليه السلام، أن صفة الحياة ترجع إلى العلم وهي) أي الحياة (عبارة عما لا يصح الادراك إلا معه فلذلك جعلوها شرطا للعلم والقدرة)، قال الهادي عليه السلام: معنى الحي في حقه تعالى الذي يجوز منه الفعل والتدبير، (لكن فيه نظر إذ الشرط واجب التقدم) فلهذا (قيل) أبو الحسين وغيره: (هي) أي صفة الحياة جعلوها (جزء من المقتضي إذ لو تقدمت كان العلم والقدرة حادثين فوجب أن تكون صفة الحياة عبارة عن صحة إدراك الذات للمدركات ولم نرجعها) أي صفة الحياة (إلى) صفة (القدرة لظهور أن لها) أي القدرة (تعلقا مؤثرا بالصور الحسية) لا المعنوية (ولا كذلك الحياة والعلم) لادراكه المعنوي كأفعالنا الماضية ونحو ذلك، إذ تحقق بمجرد الإحاطة وإدراكه الحسي.
صفحة ٧