التحف شرح الزلف
تأليف
شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام
أبي الحسنين
مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي
أيده الله تعالى ونفع بعلومه
صفحة ١
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فاستجابة لقول الله سبحانه وتعالى: {ياأيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الأنفال:24]ولقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}، [آل عمران:104]ولقوله تعالى:{قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى:23]، ولقوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب:33]ولقوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [المائدة:55].
صفحة ٢
ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى))، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء))، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( من سره أن يحيا حياتي؛ ويموت مماتي؛ ويسكن جنة عدن التي وعدني ربي؛ فليتول عليا وذريته من بعدي؛ وليتول وليه؛ وليقتد بأهل بيتي؛ فإنهم عترتي؛ خلقوا من طينتي؛ ورزقوا فهمي وعلمي )) الخبر- وقد بين صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم علي؛ وفاطمة؛ والحسن والحسين وذريتهما عليهم السلام، عندما جللهم صلى الله عليه وآله وسلم بكساء وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)) - .
استجابة لذلك كله كان تأسيس مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة.
ففي هذه المرحلة الحرجة من التاريخ ؛ التي يتلقى فيها مذهب أهل البيت(ع) ممثلا في الزيدية، أنواع الهجمات الشرسة من أعدائه الظاهرين ومن أدعيائه المندسين، رأينا المساهمة في نشر مذهب أهل البيت المطهرين صلوات الله عليهم عبر نشر ما خلفه أئمتهم الأطهار عليهم السلام وشيعتهم الأبرار رضي الله عنهم، على أن نقدمها للقارئ الكريم نقية خالصة من الشوائب، لتصل العقيدة الصافية إليه سليمة خالية من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، وما ذلك إلا لثقتنا وقناعتنا بأن العقائد التي حملها أهل البيت(ع) هي مراد الله تعالى في أرضه، ودينه القويم، وصراطه المستقيم، وهي تعبر عن نفسها عبر موافقتها للفطرة البشرية السليمة، ولما ورد في كتاب الله عز وجل وسنة نيبه صلى الله عليه وآله وسلم.
صفحة ٣
واستجابة من أهل البيت صلوات الله عليهم لأوامر الله تعالى، وشفقة منهم بأمة جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، كان منهم تعميد هذه العقائد وترسيخها بدمائهم الزكية الطاهرة على مرور الأزمان، وفي كل مكان، ومن تأمل التاريخ وجدهم قد ضحوا بكل غال ونفيس في سبيل الدفاع عنها وتثبيتها، ثائرين على العقائد الهدامة، منادين بالتوحيد والعدالة، توحيد الله عز وجل وتنزيهه سبحانه وتعالى، والإيمان بصدق وعده ووعيده، والرضا بخيرته من خلقه.
ولأن مذهبهم صلوات الله عليهم دين الله تعالى وشرعه، ومراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإرثه، فهو باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما ذلك إلا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
"واعلم أن الله جل جلاله لم يرتض لعباده كما علمت إلا دينا قويما، وصراطا مستقيما، وسبيلا واحدا، وطريقا قاسطا، وكفى بقوله عز وجل: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام:153].
وقد علمت أن دين الله لا يكون تابعا للأهواء: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض} [المؤمنون:71]، {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس:32]، {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى:21].
صفحة ٤
وقد خاطب سيد رسله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله عز وجل: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير(112)ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون(113)} [هود:112-113]، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من أهل بدر، فتدبر واعتبر إن كنت من ذوي الاعتبار، فإذا أحطت علما بذلك، وعقلت عن الله وعن رسوله ما ألزمك في تلك المسالك، علمت أنه يتحتم عليك عرفان الحق واتباعه، وموالاة أهله، والكون معهم، {ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة:119]، ومفارقة الباطل وأتباعه، ومباينتهم {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة:51]، {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} [المجادلة:22]، {ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} [الممتحنة:1]، في آيات تتلى، وأخبار تملى، ولن تتمكن من معرفة الحق وأهله إلا بالإعتماد على حجج الله الواضحة، وبراهينه البينة اللائحة، التي هدى الخلق بها إلى الحق، غير معرج على هوى، ولا ملتفت إلى جدال ولا مراء، ولا مبال بمذهب، ولا محام عن منصب، {ياأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} [النساء:135]".
صفحة ٥
وهنا يتشرف مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة بتقديم مجموعة من كتب أهل البيت المطهرين عليهم السلام وكتب شيعتهم الأبرار رضي الله عنهم، ومنها هذا الكتاب الذي بين يديك.
وأخيرا يتوجه العاملون بمركز أهل البيت(ع) والمنتسبون إليه بالشكر والعرفان لكل من ساهم في إنجاح هذا العمل، وفي مقدمتهم عالم العصر، شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى وأطال بقاه، سائلين الله عز وجل أن يجعله من الأعمال الخالصة المقبولة لديه، وأن يثبتنا على نهج محمد وآله محمد.
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية
اليمن- صعدة، ت(511816)، ص ب (91064)
صفحة ٦
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنزل في أفصح بيان وأوضح برهان: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرءان} [يوسف:3]، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين رحمته للعالمين، وحجته على الخلق أجمعين، أبي القاسم رسول الله وصفوة الله، محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم، وعلى آله عترته الذين اختصهم بالصلاة عليهم معه في الصلاة، وحرم عليهم كما حرم عليه الزكاة، وجعل أجر رسالته المودة لذوي قرباه، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأبانهم تبيانا واضحا منيرا حين مد عليهم كساءه، وقرنهم في وجوب التمسك بهم في خبر الثقلين المعلوم بكتاب الله:
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثقلان للثقلين نص محمد
ولهم فضائل لست أحصي عدها .... من رام عد الشهب لم تتعدد
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم، ورضوان الله على صحابته الأبرار، من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
صفحة ١٤
فقد تكرر الطلب من العلماء العاملين، والفضلاء المخلصين، لإعادة طبع شرح الزلف نفع الله تعالى به، لما أن الطبعة الأولى قد أشرفت على التمام، فكان الإسعاف لذلك المرام، وقد جمع ذلك الكتاب على صغر حجمه، وإيجاز لفظه مالم يجتمع في غيره بفضل الله تعالى وتسديده ولطفه وتأييده، واشتمل على المهم من السيرة النبوية والخلافة العلوية، وأعلام الأمة المحمدية، وعيون المسائل الدينية، بالأدلة العقلية والنقلية، من الآيات القرآنية والأخبار النبوية، والطرق إلى كتب الأسانيد المروية، وغير ذلك مما يعرفه ذوو الهمم العلية، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون، وقد تحصلت بحمد الله سبحانه في هذه النسخة المعدة للطبع زيادات مفيدة، وإلحاق الملحق المنفصل في الأصل كل شيء في محله، وتصحيح الأخطاء التي كانت في الأصل وهي يسيرة، أكثرها مطبعية، وتقديم وتأخير لمناسبة حسنة وتنقيحات لبعض العبارات مستحسنة، فهذه الطبعة هي المرجوع إليها عند الإختلاف بعد العرض والتصحيح على هذه النسخة التي سيطبع عليها إن شاء الله.
وعلى الأولى المصححة وعسى أن تكون هذه الطبعة كالأولى محروسة عن الخطأ في الإعراب والأنساب، والحمد لله المنعم الوهاب، وإليه سبحانه المرجع والمآب، والمرجو منه تعالى أن ينفع به من وقف عليه من أولي الألباب، وأن يجعله من الأعمال المقبولة، والآثار المكتوبة، وأن يجزل لنا ولمن يشارك في نشره المثوبة إنه قريب مجيب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وأقول في خلاصة تاريخ الحياة: {ولا ينبئك مثل خبير{.
قد مضت وانقضت ثمانون عاما .... وأنافت حولا كطرفة عين
لم أحقق ما كنت أرجوه فيها .... من جهاد ونشر علم ودين
رب فاغفر وارحم وأيد وسدد .... واعف والطف رباه في الدارين
ولا أقول كما قال:
إن الثمانين وبلغتها .... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
بل أقول تحدثا بنعمة الله سبحانه وعظيم لطفه وامتنانه:
إن الثمانين بفضل الإله .... ما أحوجت سمعي إلى ترجمان لكنها قد أوهنت من قواي .... وأبدلتني بالنشاط التوان
صفحة ١٥
ولم تدع في لمستمتع .... سوى لساني وكذاك الجنان
أدعو به الله وأرجوه أن .... يزلفني في غرفات الجنان
وأقول في سادس وعشرين شعبان سنة 1416ه:
أناف على عقد الثمانين رابع .... وذا خامس إني إلى الله راجع
وصرت أبا الأجداد أرجو صلاحهم .... وسائر أولادي ففضلك واسع
وأرجوك يا رحمن عفوا ورحمة .... وحسن ختام إنني لك ضارع
حرر على شواغل وعوامل، كفانا الله والمؤمنين مهمات العاجل والآجل، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، واختم لنا بالحسنى ووفقنا لما تحب وترضى. 18/ شعبان الوسيم/ عام 1413 للهجرة النبوية، على صاحبها وآله أفضل الصلوات والتسليم.
كتبه المفتقر إلى الملك المقتدر سبحانه، المرتجي عفوه وغفرانه، المستمد للدعاء من جميع إخوانه: مجد الدين بن محمد بن منصور الحسني المؤيدي غفر الله لهم وللمؤمنين.
صفحة ١٦
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الإمامة للنبوة خلفا وتماما، وأناط بهما في تبليغ أماناته وأداء رسالاته فروضا وأحكاما، إكمالا منه جل وعلا للحجة، وتبيانا لواضح المحجة، فاختار من البرية أعلاما جعلهم أمناء سره، وحملة نهيه وأمره فلا زال قائمهم إماما يتلو إماما، أولئك الذين قرنهم الله بكتابه ورفع لهم في ملكوت قدسه مقاما، {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما(63)والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما(64)} [الفرقان:63، 64]، ورثة الكتاب والحكمة، وهداة هذه الأمة، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة:269]، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وآله الطاهرين.
وبعد:
فيقول المفتقر إلى الله تعالى مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبدالله بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبدالله بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام المؤتمن الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن لطف الله به فيما قضى، ووفقه لما يحب ويرضى: هذه (التحف الفاطمية على الزلف الإمامية) قد نظمها تقريبا لطالبي آثار أهل بيت نبيهم، وتسهيلا لانتوال ذلك عليهم.
صفحة ١٧
ولما كان اتصال الدين بآل محمد، ومعين العلوم من مناهلهم تورد، لا جرم تعين على من التزم الإستمساك بالعروة الوثقى، والمشي على سنن الفرقة الوسطى، أن لا يجهل أحوال من بهم اقتدى، وبهداهم اهتدى.
نعم، وسنبين إن شاء الله تعالى بعد كل بيت من فيه من الأئمة، ونسبه، وتاريخه، ومؤلفاته، وأولاده، ولمعة من أخباره.
وإنما دعا إلى ذلك - مع توفر الشواغل، واعتوار العوامل -، توجه الطلب ممن تنبغي إجابته، وأنه لم يكن لأصحابنا مؤلف جامع للمقصود، وإنما يقتصر المؤلف منهم على طائفة ممن اختار ذكرهم ويترك كثيرا ممن سبقه من أئمة الهدى المتفق على إمامتهم إحالة على من سواه، مع عدم التحقيق للمهم من أنسابهم، ومؤلفاتهم ونحوها، والإطناب في غيره.
وأما من الأيام الأخير فليس ثمة ما يعتمد عليه سوى مختصرات في ذكر بعض القائمين وترك الآخرين مع اشتمالها على الخبط الكثير، كما يعلم ذلك المطلع الخبير.
وقد أردنا الاستكمال لما أشرنا بإعانة الله وتسديده على أبلغ ما يمكن من الاختصار، وقد يكون بعض البسط عند ذكر الأئمة السابقين لاقتضاء المقام ذلك، وكذا بعض المتأخرين، الذين لم تكن قد دونت سيرهم في المؤلفات الكبار، ونتعرض لفوائد نافعة إن شار الله من فنون العلم ليست من مقاصد السير، ونلمح إلى عيون أصحاب الأئمة عليهم السلام المعتمد عليهم في الرواية والدراية، من نجوم علمائهم وأشياعهم رضي الله عنهم، ونجعل عوض الإطناب في السير والأخبار تلك الفوائد العلمية التي هي أجل نفعا، وأعظم موقعا.
صفحة ١٨
مصادر الكتاب
وقد تيسر بحمد الله تعالى عند التأليف مكنون الذخائر المصونة، فالمعتمد في الأخذ (الإفادة) للإمام أبي طالب، و(المصابيح) لأبي العباس، و(الأماليات) لأبي طالب، والمرشد بالله، و(الشافي) للمنصور بالله، و(ينابيع النصيحة) للأمير الحسين، و(الأنوار) للإمام الحسن عليهم السلام، و(مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج.
و(العيون) للحاكم، و(شرح النهج) لابن أبي الحديد، و(المروج) للمسعودي، و(تاريخ ابن جرير الطبري)، و(التهذيب) لابن حجر، و(الحدائق الوردية) لحميد الشهيد، و(قواعد عقائد آل محمد) للديلمي، و(شرح البسامة) للزحيف، و(الترجمان) لابن مظفر، و(اللآلي المضيئة) للشرفي.
و(التحفة العنبرية) لمحمد بن المتوكل على الله، و(طبقات الزيدية) لإبراهيم بن القاسم، و(الدامغة) للحسن بن صلاح الداعي، و(المقصد الحسن) لابن حابس، و(مطلع البدور) لابن أبي الرجال، وغير ذلك من سير الأئمة ومؤلفاتهم رضي الله عنهم، وسنضيف إلى كل مؤلف ما أخذ منه.
وأما الأنساب فلم يمكن الاعتماد إلا على المشجرات الصحيحة لما في المؤلفات من عدم التصحيح للغلط من الناسخين.
وقد أبلغت الجهد في ذلك، وأخذت على كل ناقل لكتابنا هذا نفع الله به أن يبذل وسعه في التصحيح لتتم الإفادة المقصودة إن شاء الله تعالى.
صفحة ١٩
هذا، ومقاماتهم وصفاتهم في الأمهات، قد خدمها العلماء منهم ومن أوليائهم الأثبات، وكفاهم ما أثنى عليهم الله تعالى في الذكر المنزل، وعلى لسان جدهم المرسل، فهم أهل التنزيل والتأويل، والتحريم والتحليل، خيرة الله من ذؤابة إبراهيم الخليل، وحملة حجته من سلالة إسماعيل، وورثة خاتم النبيين وسيد الوصيين، قال عز وجل: {إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين(33)ذرية بعضها من بعض } [آل عمران:33،34]، وقال تعالى: {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة:124]، وقال عز من قائل: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} [الحديد:26]، وقال جل ذكره: {أم يحسدون الناس على ما ءاتاهم الله من فضله فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم ملكا عظيما} [النساء:54].
صفحة ٢٠
ثم بين جل وعلا موضع حجته، ومنبع حكمته من هذه الشجرة المطهرة من ذرية الرسول والوصي صلى الله وسلم عليهما وعلى آلهما، لباب هذه الذرية المصطفاة، وخيار الخيار من الصفوة المجتباة، فقال عز من قائل: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر:32]، وقال سبحانه وتعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب:33]، وقال عز من قائل: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى:23]، وقال تبارك وتعالى: {ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء:59]، وقال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43]، وقال جل وعلا: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} [الرعد:7].
ولما وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصارى نجران أمره الله أن يسلك معهم طريقة الأنبياء من قبله، فقال عز وجل: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} [آل عمران:61]، فدعا صلى الله عليه وآله وسلم أصحاب الكساء، وهم: أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب، وابنته سيدة النساء وخامسة أهل الكساء، وولداهم السيدان الحسنان، فأظهر الله بالمباهلة معجزة الرسول، وأوضح للخلق عظم منزلة أهل بيت النبوة.
صفحة ٢١
ومن جلائل نعم الله على عباده أنه لم يجعل الرسالة في بيت إلا جعل ذرية ذلك النبي قوام حجته، وأعلام بريته، {سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الأحزاب:62]، قال تبارك وتعالى في آل إبراهيم: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} [هود:73]، وقال جل جلاله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأحزاب:6]، وقال سبحانه وتعالى: {والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} [الطور:21]، وقال تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام:124]، وكم أتى الله في كتابه المعظم، وعلى لسان رسوله المكرم، في اختياره لأهل بيت النبوة من قرابة خاتم الأنبياء، وسيد الأوصياء، مهابط الحكمة، ومساقط الرحمة، جعلنا الله ممن استضاء بهدي أنوارهم، وارتوى من معين سلسالهم، ونسأل الله أن يكون ذلك من الأعمال المقربة إلى رضاه وتقواه، وأن ينفع به، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه.
حصنتها بالله من متجاهل .... يصف ابتهاج ضيائها بمحاق
وكشفت غرتها لتشفي عالما .... قلبا بقلب ثغرها البراق
وهذا أوان الإبتداء والله المستعان، وعليه التكلان.
صفحة ٢٢
عرض مجمل للأنبياء والرسل عليهم السلام والكتب السماوية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى:
الزلف:
1- ألا أيها الوسنان ما أنت صانع .... إذا حل خطب لا محالة واقع
2- هنالك لا مال عنت بجمعه .... ولا وزر إلا التقى لك نافع
3- وفي هادم اللذات أعظم زاجر .... مصارع تتلو بعدهن مصارع
4- تخلوا عن الدنيا وباد نعيمهم .... وضمتهم بعد القصور المضاجع
5- تخبرك الأجداث أنك راحل .... وتلك الديار الخاليات البلاقع
6- وعما قليل أنت فيهن ساكن ....وقد أقفرت عنك القرى والمجامع
7- أما لك عقل تستضيء بهديه؟ .... كأنك في الأنعام يا صاح راتع
8- وآيات رب العالمين منيرة .... على خلقه والبينات القواطع
9- أتى كل قرن للبرية منذر .... وداع إلى الرحمن للشرك قامع
التحف:
اعلم أنا قد أعرضنا عن البيان لما في هذه المنظومة من الإعراب، والصرف، والمعاني والبيان ؛ لأن ذلك يخرجنا عن المقصود، ويعود بالنقض على الغرض المطلوب، فلا تهمل النظر في تلك الأبواب، لا سيما في مواضع منها، فإنها تختل بإغفالها المعاني، ويبطل البيان ويضمحل التحسين، ولذلك أشرت لك بهذا الخطاب.
صفحة ٢٣
وفي هذا إشارة إلى الأنبياء الذين أكد الله بهم على العباد حجة العقل، وأنزل معهم في البلاد الميزان والعدل، {ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم} [الأنفال:42]، قال الله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وءاتينا داود زبورا(163)ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما(164)رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما(165)} [النساء:163- 165].
واعلم أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، والكتب المنزلة مائة وأربعة كتب، أنزل على شيث عليه السلام خمسون صحيفة، وعلى إدريس عليه السلام ثلاثون، وعلى إبراهيم عليه السلام عشر، وعلى موسى عليه السلام عشر والتوراة، وعلى داود عليه السلام الزبور، والإنجيل على عيسى عليه السلام، والقرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول ليلة من شهر رمضان، والتوراة لست منه بعد الصحف بسبعمائة عام، والزبور لاثنتي عشرة ليلة منه بعد التوراة بخمسمائة عام، والإنجيل لثماني عشرة ليلة منه بعد الزبور بألفي عام، والفرقان لأربع وعشرين ليلة منه بعد الإنجيل بستمائة وعشرين عاما.
صفحة ٢٤
قال السيد الإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم عليه السلام: أخبرنا علي بن الحسين العباسي بإسناده عن ابن عباس، قال: ((كان من آدم إلى نوح ألفا سنة ومائتا سنة، ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة وثلاث وأربعون سنة، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة وخمس وسبعون سنة، ومن موسى إلى داود خمسمائة وتسع وتسعون سنة، ومن داود إلى عيسى ألف سنة وثلاث وخمسون سنة، ومن عيسى إلى محمد ستمائة سنة صلى الله وسلم على أرواحهم الطاهرة)).
صفحة ٢٥
ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
الزلف:
10- إلى أن تناهى سرها عند أحمد .... فنادى أمين الله من هو سامع
11- وشق بفرقان الرسالة غيهبا .... فأشرق برهان من الوحي صادع
التحف:
هو النبي الأكبر، والرسول الخاتم العاقب المطهر، صفي الله على الخلائق، ومختاره في العلم السابق، منتهى أنباء السماوات، ومبلغ أسباب الرسالات: أبو القاسم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب - واسمه شيبة - بن هاشم - واسمه عمرو - بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر - وهو قريش - بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وقد حقق السيد العلامة أبو علامة محمد بن الإمام المتوكل على الله عبدالله بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين: نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة كل واحد من آبائه في (روضة الألباب).
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله أنزل قطعة من نور، فأسكنها في صلب آدم فساقها حتى قسمها جزئين فجعل جزءا في صلب عبدالله، وجزءا في صلب أبي طالب، فأخرجني نبيا، وأخرج عليا وصيا)).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، عن جبريل أنه قال: ((يا محمد قلبت مشارق الأرض ومغاربها، فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم)).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم))، وهم زرع إبراهيم الخليل، أسكنهم الله بيته المعظم، وولاهم الحرم المحرم.
وأمه صلى الله عليه وآله وسلم: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.
ولد صلى الله عليه وآله وسلم في عام الفيل في شهر ربيع الأول، سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من تاريخ الإسكندر ذي القرنين عليه السلام.
صفحة ٢٦
وتوفي أبوه قبل أن يولد، وتوفيت أمه بالأبواء - موضع بين مكة والمدينة - وله ست سنين.
وكفله جده شيبة الحمد عبد المطلب وتوفي - بعد أن أوصى إلى ابنه أبي طالب - وله صلى الله عليه وآله وسلم ثمان سنين.
وحكمته قريش في وضع ركن الكعبة وهو في خمس وعشرين سنة، وفيها تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي رضي الله عنها، وتوفيت هي وكافل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وناصره أبو طالب قبل الهجرة بثلاثة أعوام ، وبعثه الله إلى الخلق وهو في أربعين سنة.
ونزل إليه روح القدس جبريل الأمين عليه السلام يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، وفي بعض السير أنه في شهر رمضان.
وقبضه الله صبح يوم الاثنين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين من عام الفيل، وثلاث وعشرين من البعثة، وإحدى عشرة من الهجرة، ودفن صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته المباركة في موضع وفاته.
ولد صلى الله عليه وآله وسلم وبعث وهاجر ودخل المدينة وقبض يوم الاثنين.
صفحة ٢٧