التيجان في ملوك حمير
محقق
مركز الدراسات والأبحاث اليمنية
الناشر
مركز الدراسات والأبحاث اليمنية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٤٧ هـ
مكان النشر
صنعاء - الجمهورية العربية اليمنية
تصانيف
التاريخ
قالوا: يا ذا القرنين سكناها لئلا ننسى الموت ونطمئن إلى الحياة وتستهوينا الدنيا، وإنا رأينا الأرض كالبحر يسلكه المرء فيغطي قدميه ثم يمضي فيغطي ساقيه ثم يتمادى فيعلو حقويه ثم يمضي فيعلو منكبيه ثم يعلو رأسه ثم يضطرب بيديه ورجليه فتقلبه أمواجه فتذهب به حيث شاءت فلا يدري ما تحته من الهواء ولا ما فوقه من السماء، فكذلك تستدرج المرء تخدعه ويتبعها حتى إذا لجج سارت به حيث شاءت والدنيا دار إبليس والآخرة دار الله فمن عمل للآخرة أطاع الله وعصى إبليس ومن عمل للدنيا أطاع إبليس وعصى الله فإن إبليس نصب فتنة بكل سبيل.
قال: وما بالكم أراكم ليس فيكم غني ولا فقير؟ قالوا له: رأينا غني الدنيا فقيرًا بالآخرة، ورأينا معاش هذه الدنيا أعز أهلها وأعظمهم كعيش أذل من فيها وأحقرهم، ولو أن الدنيا كلها للعزيز ذهب وفضة ودر وجوهر ليس له من جميع ماله غير شبعه ولا من كسوته غير لبسه، فارفع طعام ذا في شبعه وأحسن لباس ذا في كسوته اذ دفع عنه حره وبرده كأحقر لباس ذا من كسوته اذ دفع عنه حره وبرده وكان الأمل من قلوبهما واحدًا تواسينا فيما لا فضل فيه بين الأرواح والأجسام، ثم رأينا القوي منا لا غنى له عن الضعيف، والضعيف لا قوام له دون
القوي وأنه متى هلك الضعيف منا هلك القوي، ومتى هلك القوي هلك الضعيف فتساوينا لئلا يكون منا ضعيف يحسد قويًا ويبغضه ولا يكون قوي يحقر ضعيفًا فواصل القوي الضعيف حتى تكافأ الناس في معاشهم فحسنت معاشرتنا.
قال لهم: فما بالكم لا أمير فيكم ولا قاض ولا آمر ولا ناه؟ قالوا له: رأينا القرون من قبلنا والأمم في دهرنا يغصب القوي الجاهل الضعيف القليل الناصر، ويقهر العزيز القادر الذليل المهين ويستطيل كل ذي يد إلى ما قدرت
1 / 113