التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي

الشيخ الطوسي ت. 460 هجري
85

التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي

تصانيف

التفسير

قوله:

كمثل الذي استوقد نارا " هلا قال كمثل الذين استوقدوا نارا

يكني به عن جماعة من الرجال والنساء والصبيان والذي لا يعبر به إلا عن واحد مذكر ولو جاز ذلك لجاز أن يقول القائل: كأن أجسام هؤلاء - ويشير إلى جماعة عظيمي القامة - نخلة وقد علمنا أن ذلك لا يجوز ؟ قلنا: في الموضع الذي جعله مثلا لافعالهم جائز حسن وله نظائر كقوله: " تدور اعينهم كالذي يغشى عليه من الموت "(1)

والمعنى: كدور أعين الذي يغشى عليه من الموت وكقوله " ماخلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة "(2) ومعناه إلا كبعث نفس واحدة لان التمثيل وقع للفعل بالفعل وأما في تمثيل الاجسام لجماعة من الرجال في تمام الخلق والطول بالواحد من النخيل فغير جائز ولا في نظائره.

التفسير: والفرق بينهما أن معنى الآية أن مثل اسنضاءة المنافقين بما أظهروا من الاقرار بالله وبمحمد صلى الله عليه وآله وبما جاء به قولا - وهم به مكذبون اعتقادا - كمثل استضاءة الموقد ثم اسقط ذكر الاستضاءة واضاف المثل اليهم كما قال الشاعر وهو نابغة جعدة:

وكيف تواصل من اصبحت

خلالته كأبي مرحب(3)

أي كخلالة أبي مرحب واسقط لدلالة الكلام عليه وأما إذا أراد تشبيه الجماعة من بني آدم وأعيان ذوي الصور والاجسام بشئ فالصواب أن يشبه الجماعة بالجماعة والواحد بالواحد لان عين كل واحد منهم غير اعيان الاخر كما قال تعالى: " كأنهم خشب مسندة "(4) وقال: " كأنهم اعجاز نخل خاوية "(5)

---

(1) سورة الاحزاب آية 19.

(2) سورة لقمان آية 28.

(3) الخلة والخلالة الصداقة التي ليس فيها خلل وابومرحب كناية عن الظل يريد أنها تزول كما يزول الظل لا تبقى له مودة.

(4) سورة المنافقون: آية 4.

(5) سورة القمر آية 20.

صفحة ٨٤