بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحمد لله الذي أعطى كل نفس خلقها وهداها وألهمها فجورها وتقواها؛ وأعلمها منافعها ومضارها وابتلاها وعافاها، وأماتها وأحياها.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله رحمة لمن زكاها، ونقمة على من دساها، لقوله تعالى:

{قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها} الآية.

صلى الله عليه وسلم، وعلى آله صلاة دائمة إلى يوم نشرها وبشراها.

قال الشيخ الإمام العالم العامل المحدث الحافظ، أبو عبد الله، محمد بن أحمد ابن عثمان الذهبي:

وبعد، إن الواجب على كل مسلم أن يتقرب إلى الله تعالى بكل ما يمكنه من القربات، ويستفرغ وسعه في القيام بالأوامر والطاعات، وأنفع الوسائل وأنجح القربات، بعد امتثال الطاعات واجتناب المنهيات، ما يعود نفعه على الناس من حفظ صحتهم، ومداواة أمراضهم، إذ العافية أمر مطلوب في الأدعية الشرعية والعبادات.

صفحة ٦٣

وقد استخرت الله تعالى في جمع شيء من الأحاديث النبوية الطبية، والآثار الطبيعية الحكيمة، ما الحاجة إليه ضرورية، في حفظ الصحة الموجودة، ورد المفقودة، مستعينا بالله سبحانه وتعالى، مبتغيا وجه الله تعالى ورضوانه، وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم:

إن تجد عيبا فسد الخللا ... جل من لا عيب فيه وعلا

صفحة ٦٤

AUTO تفسير رموز الكتاب

البخاري: خ، ومسلم: م، والترمذي: ت، وأبو داود: د. والنسائي: س، وابن ماجه: ق. وقد رتبت هذا الكتاب على ثلاثة فنون:

الأول: في قواعد الطب، علمه وعمله.

والثاني: في الأدوية والأغذية.

AUTO والثالث: في علاج الأمراض.

| AUTO والثالث: في علاج الأمراض.

[الفن الأول: في قواعد الطب علمه وعمله]

فالأول يشتمل على جملتين:

[الجملة الأولى]: في قواعد الجزء العلمي، وتشتمل على أربعة أجزاء:

AUTO الجزء الأول من أجزاء الجزء العلمي في الأمور الطبيعية

| AUTO الجزء الأول من أجزاء الجزء العلمي في الأمور الطبيعية

فالطب ينقسم إلى جزء علمي وجزء عملي.

فالعلمي أجزاؤه أربعة: العلم بالأمور الطبيعية، والعلم بأحوال بدن الإنسان، والعلم بالأسباب، والعلم بالعلامات.

فالأمور الطبيعية سبعة:

أحدها: الأركان، وهي أربعة: النار، وهي حارة يابسة، والهواء ، وهو رطب حار، والماء، وهو بارد رطب، والأرض، وهي يابسة باردة.

صفحة ٦٥

وثانيها: المزاج، وأقسامه تسعة: واحد معتدل وغير معتدل، إما مفرد، وهو أربعة: حار وبارد ورطب ويابس، وإما مركب، وهو أربعة: حار يابس، وحار رطب، وبارد يابس، وبارد رطب.

فأعدل أمزجة الحيوان مزاجا: مزاج الإنسان، وأعدل أمزجة الإنسان [مزاجا] مزاج المؤمنين، وأعدل المؤمنين مزاجا مزاج الأنبياء عليهم السلام، وأعدل الأنبياء مزاجا مزاج الرسل صلوات الله عليهم وسلامه، وأعدل الرسل مزاجا مزاج أولي العزم، وأعدل أولي العزم مزاجا مزاج سيدنا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحيه وسلم أجمعين.

قلت: والسبب الذي به صار رسول الله صلى الله عليه وسلم أعدل الخلق مزاجا: أن [من] قواعد الأطباء أن أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن، فكلما كانت أخلاق النفس أحسن كان مزاج البدن أعدل، وكلما كان مزاج البدن أعدل، كانت أخلاق النفس أحسن.

إذا علم ذلك، والحق سبحانه وتعالى قد شهد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه على خلق عظيم. قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن)، فلزم من ذلك أن مزاجه أعدل الأمزجة، وكانت أخلاقه أحسن الأخلاق.

روى البخاري في صحيحه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا).

صفحة ٦٦

وقال أنس: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أف قط، ولا لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته) رواه ت.

وقال ابن عمرو: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا).

وكان يقول: (خياركم أحسنكم أخلاقا).

وروى البخاري: أن أعرابيا جبذ الرداء عن عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جبذة شديدة حتى أثر ذلك في عنقه، ثم قال: يا محمد: مر لي من مال الله الذي عندك، فالتف إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء)).

فهو النبي الطاهر المطهر، أحسن الناس خلقا وخلقا، صلى الله عليه وسلم وعلى آله صلاة دائمة لا منتهى لها ولا آخر.

لم يخلق الرحمن مثل محمد ... أبدا وعلمي أنه لا يخلق

شمس ضحاها هلال ليلتها ... در مقاصيرها زبرجدها

وفيه أيضا قال:

فله مقام لم ينله مرسل ... وله عليهم رتبة علياء

والشباب أعدل، والصبيان أرطب، والكهل والشيخ أبرد.

وأعدل الأعضاء مزاجا جلد أنملة السبابة ثم جلد الأنامل.

وأحر الأعضاء القلب ثم الكبد ثم اللحم، وأبردها العظم ثم العصب ثم النخاع ثم الدماغ، وأيبسها العظم، وأرطبها السمين.

صفحة ٦٧