151

الظاهرة القرآنية

محقق

(إشراف ندوة مالك بن نبي)

الناشر

دار الفكر

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤٢٠ هـ -٢٠٠٠م

مكان النشر

دمشق سورية

تصانيف

وإذا بها تحاول أن تعزيه بكلمات لا تبعث في قلبه العزاء ... وأخيرًا وبعد عامين ينزل الوحي، فيأتيه بالكلمة العليا الوحيدة التي هي بلسم الشفاء ... كلمة الله. لقد أشرقت أسارير النبي، إذ هو يملك منذ الآن البرهان الأدبي والعقلي على أن الوحي لا يصدر عن ذاته، ولا يوافيه طوع إرادته، فلقد بدا له عصيًا لا يمكن أن يخضع له، كما لا تخضع له أفكار الآخرين وكلماتهم. ولديه الآن برهان موضوعي إلى أقصى درجة على صحة اقتناعه الجديد. هذا الانتظار الحزين، ثم ما تلاه من ابتهاج مفاجئ كانا- في الواقع- الظرفين النفسيين المناسبين لتلك الحالة من الفيض العقلي، لم تعد تخطر معه ظلال الريبة والشك. والحق أن الشك الذي عاناه النبي ﷺ هو الذي اضطره إلى أن ينكب على حالته الخاصة، ويواصل تفكيره ومعالجته التي ستنتهي باليقين النهائي. وفي هذا التحول نرى أثر التربية السامية، التي تعين رسول الله على أن يتحقق تدريجيًا في نفسه من حقيقة الظاهرة القرآنية، يعينه على ذلك تكيف مستمر لضميره الواعي، وكأنما أريد إعداده منهجيًا للاقتناع الضروري اللازم لدعوته، فأبلغه الوحي منذ البداية خصائص هذه الدعوة العظمى، كما تدل عليها الآية: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾! [المزمل ٧٣/ ٥]. وإن صدق هذه الإرادة العليا التي تملي تلك الكلمة ليتجلى أمام عينيه شيئًا فشيئًا، فإذا بشكه يخلي مكانه للاقتناع الجديد، ثمرة الفكرة الناضجة المستغرقة، وهو اقتناع يتجلى في محاوراته الأولى مع قريش، لقد تبدلت حال نفسه، فأصبح يثق في ذاته، وينزل الوحي لكي يعكس على نظرنا حاله النفسية الجديدة، ويؤكد هذا الاقتناع الظافر بقوله:

1 / 156