القضايا الكبرى
الناشر
دار الفكر المعاصر بيروت-لبنان / دار الفكر دمشق
رقم الإصدار
١٤٢٠هـ ٢٠٠٠م / ط ١
مكان النشر
سورية
تصانيف
صاحب النظرية الثوريَّة الجزائريَّة؛ فلكي يتكلم المرء لغة شعب معين يجب أن يقاسمه معتقداته: وقد كان (فانون) إنسانًا مُلْحِدًا.
ولكنا سَنَظْلِمُه كذلك إذا ما نسينا أو قلَّلْنا من قيمة دوره في تشييد مفهوميَّة إفريقيَّة، ففي هذا الميدان يمثِّل (فانون) كُلًاّ متكاملًا، لأنه يحمل في روحه: كلَّ روح إفريقيا، وكلَّ تاريخها، وكلَّ مأساتها.
ومن ناحية أخرى فالمفهومية التي يجب أن تحمل الانطلاقة، يتعين عليها كذلك أن تحمل مبدأ نظاميًّا؛ فقبل أن يُرَوِّض المجتمعُ الطبيعة، يتعين عليه أن يروِّض نفسَه، حيث ينصاعُ إلى القاعدة، وينضبط مع المعيار الضروري للعمل المشترك.
صحيح أنه لا مَعْدى عن الطاقة التي تَمْهَرُ بها الطبيعةُ كلَّ فرد لإنجاز المهامِّ اليوميَّة؛ ولكن هذه الطاقة إذْ تُحرَّرُ دونَما اشتِراطٍ تكون مُكْتَسِحَةً مُجْتاحَةً، بحيث تقوِّض النظام، وتلتهم الانضباط، وتحطم القاعدة والمعيار، وتجعل العمل المشترك مستحيلًا.
ومن هنا يجب أن تُصَدَّ هذه الطاقة بحواجز، وأن تَتِمَّ تَقْنِيَتُها؛ أو هي- إذ نستخدم المصطلحات البافلوفية (Pavloviennes) - يجب أن تُرْضَخَ (لِمشْروطِيَّةٍ) تجعل منها طاقة مخصَّصة للمرامي الدقيقة التي يستهدفها مجتمع بصدد بناء كيانه.
فمشكلة الحرِّيَّة إنما توضع ضمن هذه الحدود الدقيقة، وليس ضمن حدود اعْتِباطِيَّة.
ذلك أن حريَّة (القِرْد) يمكنها أن تكون كليَّة دون أن تضرَّ بمصلحة النَّوع (القِرَدِيِّ)، ولكن حريَّة (الإنسان) لا يمكنها أن تكون مطلقة إلا مقابل فوضى غير متلائمة مع جميع ضرورات التنظيم الاجتماعي، والنظام العام.
1 / 109